الجار عليه، فلا يقال: برب رجل مررت، كما يقال: بكم رجل مررت، ومن الدليل أيضًا: أنه لا بد له من عامل يعمل فيه مع المجرور به، وفيه كلام لا يليق ذكره هنا.
وتلحقه (ما) وفيها وجهان:
أحدهما: أنها كافة، وتسمى أيضًا مُهَيِّئَةٌ، لأنها بدخولها كفت الحرف عن العمل الذي كان وهيأته لوقوع الفعل بعده، فهي حرف، أعني: (ما) ومن شرط الفعل الواقع بعده أن يكون ماضيًا، كقوله:
٣٧٥ - رُبَّمَا أوْفَيْتُ فِي عَلَمٍ.............. (١)
لأنها موضوعة للإخبار عما مضى، وأما وقوع المستقبل بعدها في الآية ففيه أوجه:
أحدها: أنه حكاية حال آتية، كما أن قوله عز وعلا: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ (٢) حكاية لحال آتية، ومن حكاية الحال قول الشاعر:

٣٧٦ - جَارِيَةٌ فِي رَمَضَانَ المَاضِي تُقَطِّعُ الحَدِيثَ بالإيمَاضِ (٣)
والثاني: أنه على إضمار (كان) أي: ربما كان يود الذين كفروا (٤). وأنكر أبو علي هذا وقال: من زعم أن الآية على إضمار (كان) فقد خرج بذلك عن قول سيبويه، ومعنى قوله هذا أن من أضمر (كان) فقد خالف صاحب الكتاب - رحمه الله -، لأن (كان) لا تضمر عنده إلا حيث يكون حذفٌ
(١) تقدم هذا الشاهد برقم (٣١).
(٢) سورة النحل، الآية: ١٢٤. والوجه للفارسي في حجته ٥/ ٣٩.
(٣) رجز ينسب لرؤبة، وهو هكذا في حجة الفارسي ٥/ ٣٩. ومغني اللبيب / ٩٠٦/. والخزانة ١/ ١٥٦ و ٨/ ٢٣٣. وأنشده ابن الأنباري في الإنصاف ١/ ١٤٩ هكذا:
جارية في دِرْعِها الفَضْفاض تُقَطع...........
(٤) نسب ابن الأنباري في البيان ٢/ ٦٣ هذا الوجه إلى أبي إسحاق.


الصفحة التالية
Icon