يقتضيها، وفي موضع تقوى الدلالة عليها (١).
والثالث: أن هذا لما كان واقعًا لا محالة لِصدق المخبر صار بمنزلة الماضي المقطوع به في تحققه، فكأنه قيل: ربما ود الذين كفروا (٢).
والرابع: أن (ما) لما دخلت عليها صارت بدخولها عليها قد تغيرت عما كانت عليه، فوقع بعدها ما لم يقع قبل، لأجل أن الحروف يتغير أحكامها ومعانيها بالتركيب وشهرتها تغني عن ذكرها.
والثاني: هي نكرة موصوفة، و (يود) صفتها، أي: رب شيء أو رب وُدٍّ يَوَدُّه الذين كفروا، لأن (ما) لعمومها تقع على كل شيء. والوجه هو الأول، وهو أن تكون (ما) كافة، لأن المودود هنا كونهم مسلمين ليس إلا فاعرفه، فإنه موضع لطيف.
ولا بد لربَّ من عامل يعمل فيها، وهو هنا محذوف، تقديره: رب كافر يود الإسلام يوم القيامة، أنذرت أو نحوه (٣).
واختلف في وقت ودادهم، فقيل: عند الموت. وقيل: يوم القيامة، إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين (٤).
وأصل رُبَّ: أن يكون للتقليل، تقول: ربما فعل كذا، تريد أنه يفعله في بعض الأوقات، وقد تستعمل بمعنى الكثرة، كقولهم: رب بلد قطعته، ورب يوم كان من شأنه كذا وكذا، يقصدون بذلك الوفور، لأنهم يأتون به في مواضع المدح، وقد وردت في أشعارهم كثيرًا بمعنى الكثرة، وهو من استعمال الشيء موضع ضده، وكذا هنا بمعنى التكثير والتحقيق، وإن كانت
(٢) اقتصر الفراء ٢/ ٨٢ على هذا الوجه. وهو للكسائي أيضًا كما في جامع البيان ١٤/ ٢.
(٣) كذا أيضًا في التبيان ٢/ ٧٧٦.
(٤) القولان في الطبري ١٤/ ٤. وانظر أقوالًا أخرى في معاني الزجاج ٣/ ١٧٢. والنكت والعيون ٣/ ١٤٧ - ١٤٨.