الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} الرؤيا هنا يجوز أن تكون من رؤية القلب، أي: ألم تعلم؟ والاستفهام بمعنى التقرير، أي: علمت، وأن تكون من رؤية العين، أي: رأيت، ولفظه لفظ الاستفهام ومعناه الخبر، أي: قد علمت أو رأيت، فلهذا رفع الفعل بعده، وهو ﴿فَتُصْبِحُ﴾، ولم ينصب على الجواب لما ذكر آنفًا.
قال صاحب الكتاب - رحمه الله -، السائل والمسؤول (١): وسألته - يعني شيخه الخليل - عن ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ فقال: هذا واجب وهو تنبيه، كأنك قلت: أتسمع أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا، انتهى كلامه (٢).
وأيضًا فإن ما بعد الفاء إنما ينتصب إذا كان المستفهم عنه سببًا له وعلمه، أو رؤيته لإنزال الماء لا يوجب الاخضرار، وإنما ذلك بسبب نزول الماء، وأيضًا فإن الرفع يدل على إثبات الاخضرار وهو الغرض، ولو نُصِبَ لانقلب إلى نفي الاخضرار، ألا ترى أن القائل إذا قال: ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر، إنْ رفع كان مثبتًا للشكر، وإن نصب كان نافيًا له، فاعرفه فإن فيه أدنى غموض (٣).
وقوله: ﴿أَنْزَلَ﴾ يجوز أن يكون بمعنى ينزل، فيكون ﴿فَتُصْبِحُ﴾ عطفًا عليه، وأن يكون على بابه.

(١) كذا في الجميع، وهل تعني أن سيبويه هو السائل والمسؤول بآن واحد، أو أن رحمةَ اللَّهِ على السائل والمسؤول، أو غير ذلك؟ الله أعلم.
(٢) كذا هذه العبارة في نسختين من كتاب سيبويه ٣/ ٤٠ كما في الهامش، ومعاني الزجاج ٣/ ٤٣٦ عنه. لكن نقلها النحاس في الإعراب ٢/ ١٠ عن الخليل هكذا: انتبه أنزل من السماء ماءً فكان كذا وكذا. وهكذا فسرها مكي في المشكل ٢/ ١٠٠ عن الخليل وسيبويه، وقال: والمعنى عندهما: انتبه يا ابن آدم أنزل الله من السماء ماء.. قلت: ومثله عند القرطبي ١٢/ ٩١ أيضًا. ثم إني وجدت جواب ذلك عند الآلوسي في روح المعاني ١٧/ ١٩٢ حيث نقل عن سيبويه والخليل: أتسمع - وفي النسخة الشرقية من الكتاب - انتبه.
(٣) انظر الكشاف ٣/ ٣٩. والتبيان ٢/ ٩٤٧.


الصفحة التالية
Icon