وقوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [غفور رحيم] كلاهما خبر (إنَّ)، ولك أن تجعل ﴿رَحِيمٌ﴾ صفة لـ ﴿غَفُورٌ﴾، و (مِنْ) على الوجه الأول من صلة ﴿غَفُورٌ﴾، وإن شئت من صلة ﴿رَحِيمٌ﴾، وأما على الوجه الثاني فمن صلة ﴿غَفُورٌ﴾ ليس إلا، ولا يجوز أن تكون من صلة ﴿رَحِيمٌ﴾ لأن الصفة لا تتقدم على موصوفها، وقد ذكرتُ فيما سلف من الكتاب في أول سورة البقرة أن المعمول لا يقع إلا حيث يصح وقوع العامل، لأجل أن المعمول تابعٌ للعامل فلا يكون له تصرف لا يكون لعامله، وأوضحت ثَمَّ (١)، وأنت إذا جعلت ﴿رَحِيمٌ﴾ صفة لـ ﴿غَفُورٌ﴾ لم يجز أن تقدمه عليه، لامتناع جواز تقديم الصفة على موصوفها إذا كانت حالَّة منه محل آخر أجزاء الكلمة من أولها، وفي الكلام حذف تقديره: لهن غفور رحيم، وكذا هي في قراءة ابن عباس - رضي الله عنهما - وسعيد بن جبير (٢)، وحكم هذه اللام فيما يتعلق به حكم (مِنْ) وقد أوضحت ذلك، فاعرفه.
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥)﴾:
قوله عز وجل: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: منورهما، أو ذو نورهما، وإنما احتيج إلى هذا التقدير، لأن النور مصدر.
وقوله: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾ ابتداء وخبر. والمشكاة عند أهل اللغة: الكوة في الجدار غير النافذة. و ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾: في موضع الصفة لمشكاة،
(٢) انظر قراءتهما في المحتسب ٢/ ١٠٨. والكشاف ٣/ ٧٦. والمحرر الوجيز ١١/ ٣٠٣ حيث أضافها إلى ابن مسعود، وجابر بن عبد الله - رضي الله عنهم - أيضًا.