وقرئ: (سحابٌ ظلماتٍ) برفع (سحاب) وتنوينه وجر (ظلمات) (١) على البدل من الظلمات المتقدم ذكرها في قوله: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ﴾، أو على وجه التكرير والتأكيد لها. و ﴿بَعْضُهَا﴾ مبتدأ، و ﴿فَوْقَ بَعْضٍ﴾ الخبر، والجملة في موضع الصفة لظلمات رُفِعَتْ أو جُرَّتْ.
وقوله: ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ اختلفت النحاة في تأويل هذه الآية واضطربت أقاويلهم فيها، فمنهم من نفى الرؤية، ومنهم من أثبتها ولم يكشفوا عن حقيقة ذلك، وقد أوضح شيخنا الإمام العالم العلامة تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي (٢) - رحمه الله - ورضي عنه معنى الآية إيضاحًا شافيًا، وبينها تبيينًا وافيًا بعد ذكر أقاويلهم فيها، وذكر ما قيل فيها، فقال - رحمه الله -: سألني سائل عن أقوال علماء العربية في قوله تعالى: ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ وسأل إثبات أقوالهم، وما المختار منها؟ فقد أشكل علينا ما سمعناه عنهم فيها، وسألني أن أذكر ما عندي فيها مخالفًا كان أو موافقًا، فأجبته مستمدًا من الله سبحانه التوفيق والهداية، وهو بكرمه أكرم هادٍ وموفقٍ.
قال أبو العباس ثعلب، وأبو العباس المبرد: لم يرها ولم يكد، وحَكَيا ذلك قولًا للحسن البصري (٣).
وقال الفراء في كتابه المعاني: قال بعض المفسرين: لا يراها، وهو المعنى؛ لأن أقل من الظلمات التي وصفها [الله] لا يرى فيها الناظر كفه، وقال بعضهم: إنما هو مثل ضربه، كما تقول: ما كدت أبلغ إليك، وأنت قد بلغت، وهو وجه العربية، انتهى كلامه (٤).
(٢) تقدمت ترجمته في أول الكتاب.
(٣) انظر قول ثعلب في مجالسه / ١٧٠/. والمبرد في مقتضبه ٣/ ٧٥ وكامله ١/ ٢٥٢. وحكاه الماوردي ٤/ ١١١ وابن الجوزي ٦/ ٥٠ عن الحسن - رحمه الله -.
(٤) معانيه ٢/ ٢٥٥.