وقال أبو إسحاق الزجاج في كتابه المعاني: معناه لم يرها ولم يكد. وقال بعضهم: رآها من بعد أن كاد لا يراها من شدة الظلمة، والقول الأول أشبه بهذا المعنى، لأن في دون هذه الظلمة لا ترى الكف، انتهى كلامه (١).
وقال علي بن عيسى الرماني في كتابه الجامع في التفسير: يقال: لم قيل: لم يكد يراها وفي دون هذه الظلمة لا يراها؟ الجواب: أنَّ (كاد يراها): قارب أن يراها، و (لم يكد يراها): لم يقارب أن يراها، فهو نفي مقاربة الرؤية على الحقيقة. وقيل: يراها بعد جهد وشدة رؤية وتخيل لصورتها، قال: وقال الحسن البصري: لم يرها ولم يكد، انتهى كلامه.
وقال أبو علي الفارسي في كتابه التذكرة: ﴿لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ لم يقرب من رؤيتها، فإذا لم يقارب رؤيتها فهو من أن يراها أبعد، فهذا جاء على أصل الكلمة، وإن كانت اللغة قد جاء فيها لم أكد أفعل، معناه: فعلته بعد جهد أو تقاعد عنه، وعلى هذا قوله تعالى: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ (٢) فهذا المعنى الذي دخل الكلمة لم يُزل عنها الأصل الذي لها، انتهى كلامه.
وقال أبو الفتح عثمان بن جني: قال أبو العباس - يعني المبرد -: لم يرها ولم يَكَدْ، اعلم أنك إذا قلت: كاد يراها، فالمعنى قارب رؤيتها ولم يرها، فالمقاربة مثبتة في اللفظ، والرؤية منفية في المعنى. فإن قلت: كاد لا يراها، فالمعنى: قارب ترك رؤيتها وقد رآها، فالمقاربة مثبتة على ما كانت عليه من الإثبات، لأنه لم يلحقها شيء ينفيها، والرؤية التي كانت منفية في المعنى مثبتة، لأنك نفيتها، ونفي النفي يوجبه، انتهى كلامه.
هذا نص كلام من ذكرت اسمه من علماء العربية وهم أكابر علمائها.
قال السائل: لِمَ أجمع العلماء على مناقضة أقوالهم في هاتين الآيتين
(٢) سورة البقرة، الآية: ٧١.