فقالوا: في قوله تعالى: ﴿لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ لم يرها ولم يكد، وقالوا في قوله تعالى: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ أنهم فعلوا، وكلا اللفظين نفي للماضي بلا خلاف بينهم، وذلك أنّ (لم) تنفي الماضي بلفظ الاستقبال، كما تنفيه (ما) بلفظ المضي، وإذا كان النفي بهما واحد، فالواجب أن يكون المعنى فيهما واحد، والمعروف عندهم في لغة العرب أن (كاد) إذا كانت بلفظ الماضي فهي في الإثبات نافية للفعل مقاربة لوقوعه، وهي في النفي مثبتة لوقوع الفعل لا غير، فالإثبات قوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ﴾ (١) فهذا مقاربة للفعل من غير وقوع، والنفي قوله تعالى: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ فهذا إيقاع للفعل.
قلت: الجواب وبالله التوفيق: أن (كاد) من أفعال المقاربة، وهي أشد من (عسى) مطالبة للفعل، وبحسب ذلك لزم أن يليها الفعل حتى كأنها ضرب من الحال، ووجب ألا يدخل على فعلها (أن)، ووجب لـ (عسى) ذلك لما فيها من التراخي، وقد شبهت كل واحدة منهما بالأخرى في الشعر خاصة، وذلك معلوم عند علماء العربية، واختصت (كاد) بحال لا تكون لغيرها في كلام العرب، وذلك أنها ما دامت للإثبات فماضيها ومستقبلها دال على المقاربة المستحقة لها بأصل الوضع، نحو: كاد يفعل، ويكاد يفعل، فإذا دخلها حرف النفي تغير معناها في الماضي وبقي مستقبلها على أصل استحقاقه، تقول: ما كدت أفعل، أي: قد فعلت إما بعد جهد وشدة، وإما بعد تقاعد وإبطاء، هذا حكمها ومعناها في المضي، وعليه جاء قوله تعالى: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾.
فأما قوله تعالى: ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ فإن العلماء المقتدى بأقوالهم ممن ذكرتُ نظروا إلى ما في الآية من المبالغة في ذكر الظلمات

(١) سورة التوبة، الآية: ١١٧.


الصفحة التالية
Icon