قوله عز وجل: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ﴾ المصدر يجوز أن يكون مضافًا إلى المفعول، على معنى: ولا تقولوا له عند دعائكم إياه يا محمد، ويا ابن عبد الله، ولكن قولوا: يا رسول الله، ويا نبي الله، في لين وتواضع وخفض صوت. وأن يكون مضافًا إلى الفاعل، على معنى: لا تمهلوا دعاءه إياكم، فإذا دعاكم فعجلوا الإجابة، ولا تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء غيره، تعظيمًا له - ﷺ -، أو: لا تجعلوا دعاءه ربه مثل دعاء بعضكم بعضًا في حاجة، فربما أجابه وربما رده، ودعاء الرسول مسموع مستجاب، أو: لا تجعلوا دعاءه عليكم مثل دعاء بعضكم على بعض، على ما فسر (١).
وقوله: ﴿لِوَاذًا﴾ في موضع الحال من الضمير في ﴿يَتَسَلَّلُونَ﴾، أي: ينسلون ملاوذين، أي: مستترين، والتسلل: الخروج في خفية، واللواذ: أن يستتر الشخص بشيء مخافة أن يُرى، يقال: لَاوَذَ يُلَاوِذُ مُلَاوَذَةً ولِوَاذًا بمعنى، وصحت الواو فيها مع انكسار ما قبلها لصحتها في الفعل الذي هو لاوذ، ولو كان مصدر (لاذ) لكان لياذًا، لأن المصدر يُعَلّ بإعلال الفعل. ويجوز أن يكون منصوبًا بقوله: ﴿يَتَسَلَّلُونَ﴾، لأنه في معنى: تسللًا، كقولك: قعدت جلوسًا، وحبسته منعًا.
وقوله: ﴿يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ (عن) هنا على بابه، وإنما عدي (خالف) بعن لتضمنه معنى الاعتراض والميل (٢). وقيل: (عن) هنا بمعنى: بَعْد (٣) كقوله: وأطعمهم عن جوع، أي بعد جوع، والضمير في ﴿أَمْرِهِ﴾ لله أو للرسول (٤).
وقوله: ﴿أَنْ تُصِيبَهُمْ﴾ أن وما اتصلت بها مفعول قوله: ﴿فَلْيَحْذَرِ﴾.

(١) انظر جامع البيان ١٨/ ١٧٧ - ١٧٨. والنكت والعيون ٤/ ١٢٨.
(٢) انظر النكت والعيون ٤/ ١٢٩. وزاد المسير ٦/ ٦٩.
(٣) انظر معاني النحاس ٤/ ٥٦٧. والمحرر الوجيز ١١/ ٣٣١.
(٤) القولان في النكت والعيون الموضع السابق.


الصفحة التالية
Icon