وقال ابن زيد: هم قوم صالح تقاسموا على تبييته وتبييت أهله (١).
فإذا فهم هذا فقوله جل ذكره: ﴿كَمَا أَنْزَلْنَا﴾ محل الكاف النصب، إما على النعت لمصدر محذوف، أي: أنزلنا عليك إنزالًا مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب الذين جعلوا القرآن عِضَيْن، حيث قالوا بعنادهم وعدوانهم: بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل، وبعضه باطل مخالف لهما، فاقتسموا إلى حق وباطل، وعَضُّوه.
ويجوز أن يراد بالقرآن ما يقرؤونه من كتبهم على تأويل مجاهد، حيث آمنوا ببعض كتبهم وكفروا ببعضها. أو إنذارًا مثل ما أنزلنا. أو لمفعول محذوف، أي: أنذركم عذابًا مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين، يعني اليهود وهو ما جرى على قريظة والنضير، جعل المتوقع بمنزلة الواقع، وهو من الإعجاز، لأنه إخبار بما سيكون، وقد كان، فيكون على هذين التقديرين من صلة قوله: ﴿وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ﴾، وعلى الوجه الأول من صلة ﴿آتَيْنَاكَ﴾، وإنما قُدِّر بأنزلنا عليك، لأن الإيتاء إنزال في المعنى.
وقيل: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ وهو غاية الإعزاز، كما أنزلنا الهلاك على المقتسمين، وهو غاية الإذلال، وهم الذين قسموا طُرق مكة، وفعلوا ما فعلوا، وقالوا ما قالوا، فأنزل الله تعالى بهم عذابًا فماتوا شر ميتة.
وقيل: التقديرُ: متعناهم تمتيعًا كما أنزلنا، على: نَعَّمْنا بعضهم كما عذبنا بعضهم، وهذا من التعسف، كما ترى.
وقيل: التقدير: لنسألنهم أجمعين مثل ما أنزلنا، وهذا أيضًا أخو الذي قبله في التعسف (٢).
(٢) انظر هذه الأوجه في التبيان ٢/ ٧٨٧ أيضًا.