وقرئ: (أَتَوْهُ) بالقصر وفتح التاء (١)، على أنه فعل ماض، والمعنى فيهما واحد، والماضي هنا بمعنى الآتي، أي: يأتونه. والضمير لله جل ذكره، ومحله على الأولى: الجر، وعلى الثانية: النصب.
وقرئ: (أتاه) مقصورًا (٢)، فالجمع على معنى كل، والتوحيد على لفظه.
قال أبو الفتح - رحمه الله -: واعلم أن مفاد الاستعمال في (كل) أنها إذا كانت مفردة أخبر عنها بالجمع، نحو قوله: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (٣). و ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ (٤). ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ في قراءة الكافة. فإن كانت مضافة إلى الجماعة أتى الخبر عنها مفردًا كقوله تعالى: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ (٥) وذلك أن أحد عَلَمَي الجمع كاف عندهم من صاحبه فَابْنِ على ذلك، انتهى كلامه (٦).
وانتصاب ﴿دَاخِرِينَ﴾ على الحال، أي: صاغرين منقادين لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا.
فإن قلت: هل يجوز أن يكون (آتوه) على قراءة من مد فعلًا آتيًا كـ ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ﴾ (٧)؟ قلت: قيل: لا، لأن الهمزة في أفعل أبدًا إنما تكون للآتي إذا كان الفعل للمخبر عن نفسه، وقوله: ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ ليس هو للمخبر

(١) هذه قراءة حمزة، وحفص عن عاصم، وخلف. انظر القراءتين في السبعة / ٤٨٧/. والحجة ٥/ ٤٠٦. والمبسوط / ٣٣٦/. والتذكرة ٢/ ٤٧٩.
(٢) قرأها قتادة كما في مختصر الشواذ / ١١١/. والمحتسب ٢/ ١٤٥. والمحرر الوجيز ١٢/ ١٣٦.
(٣) سورة يس، الآية: ٤٠.
(٤) سورة البقرة، الآية: ١١٦.
(٥) سورة مريم، الآية: ٩٥.
(٦) المحتسب ٢/ ١٤٦.
(٧) تقدم في الآية (٣٩) من هذه السورة.


الصفحة التالية
Icon