قوله عز وجل: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ (كان) هنا مزيدة، وأن وما اتصل بها في تأويل المصدر، وموضعه رفع فاعل ﴿يَنْبَغِي﴾.
والجمهور على فتح النون وكسر الخاء على البناء للفاعل، وقرئ: (أنْ نُتَّخَذَ) بضم النون وفتح الخاء (١) على البناء للمفعول (٢). وبعد، فإن اتخذ فعل يتعدى إلى مفعول واحد، كقولك: اتخذ وليًا. وإلى مفعولين كقولك: اتخذ فلانًا وليًا، وفي التنزيل: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ﴾ (٣) فعداه إلى مفعول واحد كما ترى، و (من الأرض) صفة لـ (آلهة). وفيه: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ (٤) فعداه إلى مفعولين كما ترى.
فإذا فهم هذا، فاتخذ على قراءة الجمهور متعد إلى مفعول واحد وهو ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾، و ﴿مِنْ دُونِكَ﴾ في موضع نصب على الحال من ﴿أَوْلِيَاءَ﴾ لتقدمه عليه، والأصل: أن نتخذ أولياء كائنين من دون الله على الصفة، فلما قدمت عليه انتصب على الحال، كقوله:
٤٧٩ - لِعزةَ مُوحِشًا طَلَلٌ قَديمُ | ........... (٥) |
وعلى القراءة الأخرى متعد إلى مفعولين، فالأول ما بني له الفعل،
(٢) قراءة صحيحة لأبي جعفر وحده من العشرة، كما قرأ بها زيد بن ثابت، وأبو الدرداء - رضي الله عنهما -، وأبو رجاء، وزيد بن علي، وجعفر الصادق، والنخعي، ومكحول، والحسن وغيرهم. انظر المبسوط ٣٢٢ - ٣٢٣. والنشر ٢/ ٣٣٣. ومعاني الفراء ٢/ ٢٦٤. ومعاني الزجاج ٤/ ٦٠. وجامع البيان ١٨/ ١٩١. وإعراب النحاس ٢/ ٤٦٠: والمحتسب ٢/ ١١٩.
(٣) سورة الأنبياء، الآية: ٢١.
(٤) سورة النساء، الآية: ١٢٥.
(٥) تقدم هذا الشاهد مرارًا. انظر أولها برقم (٥٥).
(٦) سورة المؤمنون، الآية: ٩١.