والثاني: ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾، والأصل: أن يتخذنا الناسُ من أولياء، ثم بني الفعل للضمير الذي هو (نا) فانقلب مرفوعًا مستترًا بعد أن كان بارزًا منصوبًا بالقيامة مقام الفاعل، وبقي الثاني وهو ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ على حاله، و (مِن) في ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ على هذه القراءة تكون للتبعيض، ولا يجوز أن تكون لتأكيد معنى النفي كما في قراءة الجمهور، لأن (مِن) لا تزاد في المفعول الثاني عند جمهور النحاة بل في الأول.
قال أبو إسحاق: تقول: ما اتخذ فلان مِن أحد وليًا، ولا يجوز: ما اتخذ [فلان] أحدًا من ولي، لأن (مِن) إنما دخلت لأنها تنفي واحدًا في معنى جميع، ثم قال: ولو جاز هذا لجاز في ﴿مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ (١) أي: فما منكم أحد عنه بحاجزين وهذا خطأ لا وجه له، انتهى كلامه (٢).
فإن قلت: هل يجوز أن يكون اتخذ على هذه القراءة يتعدى إلى مفعول واحد وهو القائم مقام الفاعل؟ قلت: لا تمنع ذلك. فإن قلت: فإن كان الأمر على ما زعمت وجوزت فما تصنع بقوله: ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾؟ قلت. أجعله حالًا منه، وأجعل ﴿مِنْ دُونِكَ﴾ من صلة الفعل، أي: ما كان ينبغي لنا أن يتخذ من دونك أولياء، ودخل (مِن) لكونه في سياق النفي، فاعرفه فإنه موضع لطيف.
وقوله: ﴿وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا﴾ (بورًا) جمع بائر كحائل وحول، وهو الهالك، بارَ فلان، إذا هلك، وحكى الأخفش (٣) عن بعضهم: أنه لغة وليس بجمع لبائر، كما يقال: أنت بشر وأنتم بشر. فعلى هذا يوصف به الواحد والجمع، يقال: رجل بور، وقوم بور، وامرأة بور أيضًا، حكاه أبو عبيدة (٤).
(٢) معاني الزجاج ٤/ ٦٠ - ٦١.
(٣) في معانيه ٢/ ٤٥٨.
(٤) مجاز القرآن ٢/ ٧٣.