وهو اذكر، ومفعولا ﴿تَزْعُمُونَ﴾ محذوفان، والتقدير: تزعمونهم شركائي، ولا مقال في جواز حذف المفعولين في باب ظننت وأخواتها، وإنما الممنوع هو الاقتصار على أحدهما.
وقِوله: ﴿رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا﴾ (هؤلاء) مبتدأ، وفي ﴿الَّذِينَ﴾ وجهان:
أحدهما - وهو قول أبي علي (١) -: أن ﴿الَّذِينَ﴾ خبره، على تقدير مبتدأ آخر، أي: هؤلاء هم الذين. و ﴿أَغْوَيْنَا﴾ صلة ﴿الَّذِينَ﴾ والراجع إلى الموصول محذوف، أي: أغويناهم، ولا يكون ﴿الَّذِينَ أَغْوَيْنَا﴾ صفة ﴿هَؤُلَاءِ﴾ عنده، ويكون ﴿أَغْوَيْنَاهُمْ﴾ خبرًا، لأنه لا يفيد أكثر مما أفاده المبتدأ وصفته، ومن شرط الخبر أن تكون فيه فائدة زائدة، ولهذا منعت النحاة أن يقال: إِنَّ الدَّاهِيَةَ جَارِيَتُهُ صَاحِبُهَا، لأن من حق كل واحد من جُزْئَي الجملة أن يختص بفائدة، إذ لو تضمن ما يتضمنه صاحبه لكان تكريرًا، والتكرير يجري مجرى ما لم يذكر، والجزء الواحد لا يتم منه كلام، ولكن يكون التقدير عنده: هؤلاء هم الذين أغوينا، و ﴿أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا﴾ جملة مستأنفة، وحذف منها العاطف لدلالة ما قبلها.
ثم قال: فإن قلت: فلم لا يكون قوله. ﴿أَغْوَيْنَاهُمْ﴾ خبرًا، وجاز لتعلق قوله: ﴿كَمَا غَوَيْنَا﴾ به، فيكون مفيدًا فائدة زائدة ليست في الصفة والموصوف؟ فالجواب: أن ذلك يوجب أن يكون قوله: ﴿كَمَا غَوَيْنَا﴾ جاريًا مجرى ما لا بد منه من أحد جزئي الجملة، وهذا لا يجوز لأنه ظرف والظروف فضلات في الكلام.
وقال أبو عثمان - وهو الوجه الثاني - لا يمتنع أن يكون ﴿هَؤُلَاءِ﴾ مبتدأ ﴿الَّذِينَ أَغْوَيْنَا﴾ صفته و ﴿أَغْوَيْنَاهُمْ﴾ الخبر، من أجل ما اتصل به وهو {كَمَا

(١) حكاه العكبري ٢/ ١٠٢٤. وأبو حيان ٧/ ١٢٨ كلاهما عن أبي علي في التذكرة.


الصفحة التالية
Icon