قوله عز وجل: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ﴾ (أم) هنا منقطعة بمعنى بل وهمزة الاستفهام، والاستفهام بمعنى الإنكار، والمعنى: بل أحسبوا أن يفوتونا فلا نقدر عليهم؟ وأن مع صلتها قد سدت مسد مفعولي الحسبان كقوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ (١).
وقوله: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ (ما) هنا يجوز أن يكون معرفة في موضع رفع بـ ﴿سَاءَ﴾ على الفاعلية، وساء بمعنى (بئس)، والمخصوص بالذم محذوف، أي: بئس الشيء الذي يحكمونه حكمهم هذا، وأن يكون نكرة في موضع نصب، أي: بئس شيئًا يحكمونه حكمهم هذا. وعن ابن كيسان: أن ﴿مَا﴾ مصدرية في موضع رفع بساء، أي: ساء حكمهم هذا (٢).
وقوله: ﴿مَنْ كَانَ﴾ (مَنْ) شرطية في موضع رفع بالابتداء، والخبر ﴿كَانَ﴾ أو الجواب، وهو ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾ [على تقدير: لآتيه، فحذف الراجع].
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ انتصاب قوله: ﴿حُسْنًا﴾ على المصدر على حذف الزوائد، أي: وصيناه بأن يحسن إليهما إحسانًا، تعضده قراءة من قرأ: (إحسانًا) وهو الجحدري (٣).
وقيل: هو مفعول ثان على تضمين ﴿وَوَصَّيْنَا﴾ معنى ألزمنا، كأنه قيل: ألزمناه حسنًا.

(١) سورة آل عمران، الآية: ١٤٢.
(٢) انظر هذا الوجه عن ابن كيسان في إعراب النحاس ٢/ ٥٦٢. ومشكل مكي ٢/ ١٦٦.
(٣) وهي قراءة أبي بن كعب - رضي الله عنه - أيضًا. انظر المحرر الوجيز ١٢/ ٢٠٤. وزاد المسير ٦/ ٢٥٦. والقرطبي ١٣/ ٣٢٩. والجحدري هو عاصم بن أبي الصباح. بصريٌ أخذ القراءة عرضًا عن سليمان بن قتة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - كما قرأ على آخرين. توفي قبل الثلاثين ومائة. (غاية النهاية).


الصفحة التالية
Icon