فصلًا لأن المضارع يشبه الاسم، ولو كان مكان ﴿يَفْصِلُ﴾ فَصَلَ ما جاز أن يكون فصلًا، وقد مضى الكلام على "الفصل" فيما سلف من الكتاب بأشبع ما يكون، فأغنى ذلك عن الإِعادة هنا (١).
﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (٢٦)﴾:
قوله عز وجل: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ في فاعل الفعل وجهان:
أحدهما: ضمير اسم الله جل ذكره، تعضده قراءة من قرأ: (أو لم نهد لهم) بالنون (٢).
والثاني: ما دل عليه ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾، أي: أو لم يهد لهم كثرة إهلاكنا القرون الماضية، وقيل التقدير: أو لم يهد لهم الهدى. وقد مضى الكلام على هذا في سورة "طه" (٣).
وعن الفراء: أن فاعله هو ﴿كَمْ﴾ (٤)، وهو خطأ عند أصحابنا لأن (كم) لا تقع فاعلة خبريةً كانت أو استفهامية، لأن لها صدر الكلام، و ﴿كَمْ﴾ في موضع نصب بأهلكنا، والضمير في ﴿لَهُمْ﴾ لأهل مكة.
وقوله: ﴿يَمْشُونَ﴾ في موضع الحال من الهاء والميم في ﴿لَهُمْ﴾، أو من القرون المهلكين، والعامل فيها على الوجه الأول: ﴿يَهْدِ﴾، وعلى الثاني: إهلاكنا، والتقدير والمعنى على الوجهين: أو لم يهد لهم كثرة
(٢) قرأها علي، وابن عباس رضي الله عنهم، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وقتادة. انظر إعراب النحاس ٢/ ٦١٦. ومختصر الشواذ / ١١٨/. والمحرر الوجيز ١٣/ ٤٢. وزاد المسير ٦/ ٣٤٤. والقرطبي ١٤/ ١١٠.
(٣) انظر إعرابه للآية (١٢٨) منها.
(٤) معانيه ٢/ ٣٣٣.