و (بَاعِدْ) بالألف، و (بَعِّدْ) بغير الألف مشددًا (١) على الدعاء والطلب، وهما بمعنى، كَضاعِفْ وَضَعِّفْ، وصاعِر خَدَّهُ وَصَعِّر.
وقرئ: (رَبُّنَا) بالرفع على الابتداء و (بَاعَدَ)، و (بَعَّدَ) بلفظ الماضي على الخبر (٢)، ﴿بَيْنَ﴾ بالنصب، وهو مفعول به [لا] ظرف كما زعم بعضهم، ألا ترى أنك إذا قلت: باعد الله، أو أبعد، أو باعد مسافة سفره، كان مفعولًا به، والدليل على أنه اسم لا ظرف، قراءة من قرأ: (رَبَّنَا بَعُدَ بينُ أَسْفَارِنَا) و (بَعَّد بينُ أسفارنا) على النداء وإسناد الفعل إلى (بينُ) ورفعه به (٣)، كقولك: بَعُدَ مدى أسفارِنا، فَرَفْعُهُ دليل كونه اسمًا. قال أبو الفتح: مذهب أبي علي في (بَيْنَ) أنها مصدر بانَ يَبِينُ بَيْنًا، ثم استعلمت ظرفًا اتساعًا وتجوُّزًا كمقدم الحاج، وخلافة فلان. قال -يعني أبا علي-: ثم استعملت واصلة بين الشيئين، وإن كانت في الأصل فاصلة، وذلك لأن جهتيها وصلتا ما يجاورهما بها، فصارت واصلة بين الشيئين، هذا معنى قوله وجماعُ مراده فيه، وعليه قراءة من قرأ (لقد تَقَطَّعَ بينُكم) (٤) بالرفع. أي: وَصْلُكُم، وقد مضى الكلام على البين وأنه من الأضداد فيما سلف من الكتاب (٥).
وقوله: ﴿كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ منصوب على المصدر، لإضافته إلى المصدر، أي: كُلَّ تمزيقٍ.
(٢) وهذه قراءة يعقوب وحده في الحرفين، وهي قراءة ابن عباس -رضي الله عنهما-، انظر هذه القراءات في السبعة/ ٥٢٧/. والحجة ٦/ ١٩. والمبسوط ٣٦٢ - ٣٦٣. والتذكرة ٢/ ٥٠٦ - ٥٠٧. والنشر ٢/ ٣٥٠.
(٣) قرأها ابن يعمر، وسعيد بن أبي الحسن، ومحمد بن السميفع، وغيرهم. انظر إعراب النحاس ٢/ ٦٦٦ - ٦٦٧. والمحتسب ٢/ ١٨٩. والمحرر الوجيز ١٣/ ١٣١. غير أنهم لم يذكروا إلا (ربنا بَعُد بينُ أسفارنا).
(٤) قراءة صحيحة تقدمت في الأنعام، الآية: ٩٤.
(٥) انظر إعرابه لآية الأنعام السابقة.