التنوين تخفيفًا، فيكون ﴿رُسُلًا﴾ مفعولًا به ثانيًا إن جَعلتَ الجَعْلَ بمعنى التصيير، وإن جعلته بمعنى الخلق كان حالًا مقدرة كـ ﴿مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ (١)، وهو نعت بعد نعت إن جعلت الإضافة محضة، أو بدل إن قُدِّرت منفصلةً، فاعرفه فإنه موضع.
وقرئ: (جاعلُ) بالرفع (٢)، على: هو جاعل. قال أبو عبيدة: إذا طال الكلام خرجوا فيه من الرفع إلى النصب، ومن النصب إلى الرفع، لتختلفَ ضروبُهُ، وتتباينَ تراكيبه (٣).
وقوله: ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ﴾ في موضع نصب صفة لقوله: ﴿رُسُلًا﴾، أي: ذوي أجنحة. وأولو اسم جمع لذو، كما أن أولاء اسم جمع لذا، و ﴿أَجْنِحَةٍ﴾ جمع جناح.
﴿مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ صفات لأجنحة، أي: اثنين اثنين، وثلاثًا ثلاثًا، وأربعًا أربعًا، وإنما لم تنصرف لكونها معدولة عن ألفاظ الأعداد المكرر المذكور آنفًا، ولكونها صفات لما قبلها، وقد مضى الكلام على هذه في أول "النساء" بأشبع من هذا (٤).
﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢)﴾:
قوله عز وجل: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ﴾ (ما) شرطية منصوبة المحل بيفتح، ويفتح مجزوم بها، ومثلها ﴿وَمَا يُمْسِكْ﴾. و ﴿مِنْ رَحْمَةٍ﴾ تفسير لـ ﴿مَّا﴾، وتُرك تفسير الثاني لدلالة الأول عليه.
(٢) قرأها الحسن رحمه الله كما في المحتسب ٢/ ١٩٨. والقرطبي ١٤/ ٣١٩.
(٣) انظر قول أبي عبيدة في المحتسب الموضع السابق.
(٤) انظر إعرابه للآية (٣) منها.