وقرئ: برفع اسم الله تعالى ونصب (العلماء) (١)، والخشية هنا استعارة، والمعنى: إنما يُعَظّم اللهُ ويجلُّ من عباده العلماءَ، كما يُعَظَّمُ ويُجَلُّ المهيبُ المخشي من الرجال بين الناس من بين جميع عباده، قاله الزمخشري (٢). وقيل: يخشى يمتحن. وقيل: يختار.
وقال بعض أهلى العلم: إن قوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ متصل بقوله: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ على: كما اختلفت هذه الأشياء فكذلك العلماء في خشيتهم لله مختلفون على مقادير عِلمهم، فكل من كان علمه بالله جل ذكره أكثر كان خشيته لله أشد، وفي الحديث: "أَعْلَمُكُمْ بالله أشدكم خشية" (٣).
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢)﴾:
قوله عز وجل: ﴿سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾ مصدران في موضع الحال، أي: مُسِرِّين ومعلنين.

(١) نسبها الزمخشري ٣/ ٢٧٥ إلى عمر بن عبد العزيز، وأبي حنيفة رحمهما الله، وحكاها القرطبي ١٤/ ٣٤٤ عن الزمخشري عنهما، وكذا فعل أبو حيان ٧/ ٣١٢. وهي لا تصح عنهما ولم تذكرها كتب الشواذ، والله أعلم.
(٢) الكشاف الموضع السابق.
(٣) انظر معنى هذا القول في الكشاف ٣/ ٢٧٤. وكون (كذلك) متصل بما بعده أجازه ابن عطية ١٣/ ١٧٢ أيضًا، لكن رده أبو حيان ٧/ ٣١٢ وتلميذه السمين ٩/ ٢٣١. وأما الحديث فكذا ساقه الزمخشري في الموضع السابق، وقال الحافظ في تخريجه/ ١٣٩/: لم أجده هكذا، وفي الصحيح: "أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية". قلت: هذا رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع (٧٣٠١). ومسلم في الفضائل، باب علمه -صلى الله عليه وسلم- بالله تعالى وشدة خشيته (٢٣٥٦).


الصفحة التالية
Icon