قوله عز وجل: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ الضرب هنا يجوز أن يتعدى إلى مفعولين على تضمينه معنى الجعل والتصيير، كقولك: ضربت الشيء مثلًا، أي: جعلته مثلًا. وهما ﴿مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ فـ ﴿أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ مفعول أول، و ﴿مَثَلًا﴾ ثان. وأن يتعدى إلى واحد وهو ﴿مَثَلًا﴾ على معنى: اذكر لهم، أوصِف لهم مثلًا. وقوله: ﴿أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾: بدل من ﴿مَثَلًا﴾ والتقدير: واضرب لهم مثلًا مَثَلَ أصحابِ القرية، فحذف المضاف، كأنه قيل: صف لهم أصحاب القرية، أو اذكر لهم أصحاب القرية، أي: خبرهم.
وقوله: ﴿إِذْ جَاءَهَا﴾ ناصب ﴿إِذْ﴾ محذوف وهم (١) خَبَرُهُمْ أو قِصتُهُمْ. ويجوز أن يكون حالًا من هذا المقدر المحذوف، وقال الزمخشري: انتصاب ﴿إِذْ﴾ بأنه بدل من ﴿أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ (٢)، وهو بدل الاشتمال على زعمه، وفيه نظر، لأن الظرف -أعني ظرف الزمان- كما لا يجوز أن يكون وصفًا للعين، ولا حالًا منه، ولا خبرًا عنه، ينبغي أيضًا ألا يكون بدلًا منه، فاعرفه.
و﴿إِذْ﴾ الثاني وهو قوله: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا﴾ بدل من الأول وهو هو.
قوله: ﴿فَعَزَّزْنَا﴾ المفعول محذوف. أي: فقويناهما بثالث، أي: برسول ثالث، من عَزَّزَ المطرُ الأرضَ، إذا لَبَّدَها وشدها، وأرض معزوزة، أي: شديدة (٣).
وقرئ: (فَعَزَزْنَا) بالتخفيف (٤) من عَزَّهُ يَعُزُّهُ عَزًّا، إذا غلبه، وفي المثل: "مَنْ عَزَّ بَزَّ" (٥)، أي: من غَلَبَ سَلَبَ، والاسم العِزَّةُ، وهي القوة
(٢) الكشاف ٣/ ٢٨٢.
(٣) من الصحاح (عزز).
(٤) قراءة صحيحة لعاصم في روايتي أبي بكر والمفضل. انظر السبعة / ٥٣٩/. والحجة ٦/ ٣٨. والمبسوط/ ٣٦٩/. والتذكرة ٢/ ٥١٢.
(٥) انظره في أمثال ابن سلام /١١٣/. وجمهرة اللغة ١/ ٦٨. وجمهرة الأمثال ٢/ ٢٢٩. والصحاح (عزز). والمستقصى ٢/ ٣٥٧.