مجرى الوقف، ويجوز أن يكون نوى الوقف عليها وقدره، فيكون ﴿عَلَى﴾ متعلقًا بمضمر دل عليه (حسره)، أي: أتحسر على العباد، والأول أحسن، فاعرفه.
﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (٣٢)﴾:
قوله عز وجل: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ (كم) هنا خبرية منصوبة المحل بقوله: ﴿أَهْلَكْنَا﴾، لا بقوله: ﴿يَرَوْا﴾ كما زعم الفراء (١)، لأن كم لا يعمل فيها ما قبلها خبريةً كانت أو استفهاميةً، والرؤية ههنا من رؤية القلب، و ﴿أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ بدل من قوله: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ على المعنى لا على اللفظ، وبهذا البدل استُدل: أن ﴿كَمْ﴾ خبرية لكونه أبدل منها ما ليس باستفهام، والتقدير: ألم يعلموا كثرة إهلاكنا القرون مِن قبلهم كونَهم غيرَ راجعين إليهم؟ والجملة في موضع نصب بيروا، كقولك: علمت إن زيدًا لقائم، فالفعل عامل في المعنى مُعَلَّقٌ عن العمل في اللفظ كما ترى لأجل اللام، وكذا هنا عاملٌ في المعنى دون اللفظ، لما ذكر آنفًا من أن (كم) لا يعمل فيها ما قبلها.
وقرئ: إنهم بالكسر (٢) على الاستئناف.
وقوله: ﴿وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ قرئ: (لما) بالتخفيف والتشديد (٣)، وأجمعوا على تخفيف (إنْ) ورفع ما بعدها على الابتداء، والخبر ما بعده، غير مَن خفف (لما) كان (ما) صلة للتأكيد، وأن مخففة من
(٢) قرأها الحسن البصري. انظر معاني الفراء ٢/ ٣٧٦. ومعاني النحاس ٥/ ٤٩٠. ومختصر الشواذ/ ١٢٥/. والكشاف ٣/ ٢٨٥.
(٣) قرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة: (لمَّا) مشدد الميم. وقرأ الباقون: (لمَا) خفيفة. انظر المبسوط/ ٣٧٠/. والتذكرة ٢/ ٥١٢. وأما في "السبعة" و "الحجة" فقد ذكراها في "هود" حيث تقدم الحرف هناك.