فيه من معنى العموم بالنفي، والرفع والتنوين هنا أمتن عند النحاة، لأجل قوله: ﴿وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ﴾، لأنه معرفة، و (لا) لا تعمل في المعارف، لذلك قيل في قراءة الجمهور مستأنف، فاعرفه فإنه مَوْضِع (١).
والصريخ هنا فعيل بمعنى مُفْعِل، أي: مُصْرِخ، وهو المغيث، يقال: أصرخه، إذا أغاثه، وصريخ، إذا استغاث، ويأتي بمعنى أغاث، والصارخ: المستغيث والمغيث، وهو من الأضداد، أي لا مغيث لهم. والصريخ أيضًا: صوت المستصْرخ، يقال: أتاهم الصريخ. أي: لا إغاثة لهم.
وقوله: ﴿إِلَّا رَحْمَةً﴾ مفعول له، ﴿وَمَتَاعًا﴾ عطف عليها، أي: ولا ينقذهم من الغرق أحد إذا أردنا تفريقهم، إلا أن نفعل نحن ذلك الإنقاذ لرحمة صادرة، أو كائنة منا، ولتمتيعٍ بالحياة إلى حين، إلى انقضاء آجالهم، أو إلَّا أن نرحمهم رحمة، ونمتعهم تمتيعًا إلى أجل يموتون فيه، فكلاهما مصدر. وقيل: التقدير إلا برحمة. وقيل: هو استثناء منقطع (٢).
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٨) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠)﴾:
قوله عز وجل: (وهم يَخَصِّمُونَ) الواو للحال، وقرئ: بإدغام التاء في الصاد مع فتح الخاء وكسرها، واختلاس فتحها، وإتباع الياء الخاء في الكسر (٣). و (ويَخْصِمون) بفتح الياء وإسكان الخاء وتخفيف
(٢) انظر هذه الأوجه أيضًا في مشكل مكي ٢/ ٢٢٨. والعكبري ٢/ ١٠٨٣ - ١٠٨٤.
(٣) قرأ عاصم، وابن عامر، والكسائي، وخلف، ويعقوب: (يَخِصَّمون) بفتح الياء، وكسر الخاء. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وورش عن نافع: (يَخَصِّمون) بفتح الياء والخاء، إلا أن أبا عمرو يُشِمّ الخاء الفتح ولا يشبعه. وأما إتباع الياء الخاء بالكسر: (يِخِصِّمون) فهي رواية عن أبي بكر عن عاصم، ذكرها ابن مجاهد. أقول: وفيها قراءة أخرى (يَخْصِّمون) ساكنة الخاء مشددة الصاد لأبي جعفر، وقالون عن نافع.