قوله عز وجل: ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أي: ولدًا منهم، فحذف الموصوف.
وقوله: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ (السعي) مفعول ﴿بَلَغَ﴾، أي: بلغ الحد الذي يَقْدِرُ فيه أن يسعى مع أبيه، وأما (مع) فمفعولُ محذوفٍ دل عليه معنى الكلام، كأنه لما قال: فلما بلغ السعيَ، قيل: مع مَن؟ فقال: مع أبيه، ومُنِعَ أن يكون معمول ﴿بَلَغَ﴾ كما زعم بعضهم، لاقتضائه بلوغهما معًا حد السعي، ولا معمول ﴿السَّعْيَ﴾، لأن ما كان في صلة المصدر لا يتقدم عليه.
وقوله: ﴿فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ قرئ: بفتح التاء والراء (١)، على أنه مضارع رأيت، وهو من الرأي الذي هو الاعتقاد في القلب على وجه المشاورة، ليعلم ما عنده فيما نزل به، لأنه لا يخلو إما أن يكون من رؤية العين، أو من رؤية القلب المتعدية إلى مفعولين، أو من الرأي الذي هو الاعتقاد في القلب، فلا يجوز أن يكون من رؤية العين؛ لأنه لم يأمره أن يبصر شيئًا بِبَصَرِهِ (٢)، إنما أمره أن يدبر أمرًا عرضه عليه يقول فيه برأيه وهو الذبح، ولا يجوز أن يكون أيضًا من يرى الذي بمعنى العلم، لأنه ليس يكلفه أن يقطع له بصريح الحق وجَلِيّه اليقين، وإنما يسأله عما يحضره إياه رأيه ويبديه قوله، وإذا بطل ذلك، فبقي أن يكون من الرأي الذي هو الاعتقاد، كقولك: فلان يرى رَأْيَ الخوارجِ، ويرى رأي أبي حنيفة رحمه الله، فهو يتعدى إلى مفعول واحد، وهو ﴿مَاذَا﴾ إن جعلتهما اسمًا واحدًا، أي: فانظر أي شيء ترى؟ وإن جعلت (ما) مبتدأ (وذا) بمعنى الذي خبره، كان مفعوله محذوفًا وهو العائد إلى الذي، أي: ما الذي تراه؟
وقرئ: (ماذا تُرِي) بضم التاء وكسر الراء (٣)، وهو من الرأي المذكور

(١) هذه قراءة الأكثر كما سيأتي.
(٢) في (ب) و (ط): من بصره.
(٣) هذه قراءة الكوفيين عدا عاصمًا. انظرها مع قراءة الباقين في السبعة /٥٤٨/. والحجة ٦/ ٥٧. والمبسوط / ٣٧٧/. والتذكرة ٢/ ٥١٩.


الصفحة التالية
Icon