يكون من كلام الكفرة بدلًا من قولهم: ﴿وَلَدَ اللَّهُ﴾، لأن ولادةَ البناتِ واتخاذَهن اصطفاءٌ لهن، فأُبدل مثال الماضي من مثال الماضي. وأن يكون تفسيرًا للكذب الذي نسب إليهم في قولهم: ﴿وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾، كما أن قوله: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ تفسير للوعد (١). وأن يكون على معنى: اصطفى البنات فيما يقولون، وأن يكون على إضمار القول، أي: وإنهم لكاذبون قالوا: اصطفى البنات على البنين، وأن يكون عطفًا على ﴿وَلَدَ اللَّهُ﴾ وحُذف العاطف، لأن في الجملة الثانية ذكرًا من الأولى والتباسًا بها، كقوله: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ﴾ (٢) وقوله: ﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ (٣) على قراءة من حذف العاطف وهو ابن عامرٍ (٤)، والوجه قراءة الجمهور، لأجل أن الإنكار قد اكتنف هذه الجملة من جانبيها، وذلك قوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ فجاعلها خبرًا مُوقِعٌ دخيلًا بين نَسِيْبَيْنِ، وذلك غير مألوف في كلام القوم (٥).
وقرئ: (آصطفى البنات) بالمد (٦)، على إبدال التي للوصل مَدَّةً، كما فعل الجمهور بالتي مع حرف التعريف، نحو: آلقوم عندك؟ ﴿آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ﴾ (٧)، وهو بعيد، وقياس فاسد، لأن البدل مع حرف التعريف لازم لأداء حذفها إلى الإلباس، بخلاف غيرها وهي المكسورة، نحو: ابنُ زيدٍ قام، والمضمومة نحو: انْطُلق بزيدٍ، فالحذف هنا واجب لعدم اللبس لأجل اختلاف حركتها، والقلب مع حرف التعريف لازمٌ لاتفاق حركتهما، فاعرف الفرقان بينهما (٨).

(١) إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: ٩]. وقد حرفت العبارة في (ب) و (جـ).
(٢) سورة الكهف، الآية: ٢٢.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١١٦.
(٤) تقدم ذكرها وتخريجها في موضعها عند هذه الآية.
(٥) انظر هذا التخربج في الكشاف ٣/ ٣١٢. وحكاها أبو حيان ٧/ ٣٣٧ عنه ورد عليه.
(٦) كذا ذكرها أيضًا صاحب البيان ٢/ ٣٠٩. والتبيان ٢/ ١٠٩٤ دون نسبة.
(٧) سورة يونس، الآية: ٥٩.
(٨) انظر في هذا أيضًا البيان ٢/ ٣٠٩.


الصفحة التالية
Icon