وقد أنعم الله جل ذكره على داود عليه السلام نعمًا كثيرة لم ينعم بها على غيره، وشهرتها تغني عن ذكرها.
وقوله: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ (يسبحن) في موضع الحال من الجبال، أي: مسبحاتٍ.
وقوله: ﴿وَالْإِشْرَاقِ﴾ أي: بوقت الإشراق، والإشراق مصدر قولك: أشرقت الشمس، إذا أضاءت، وَشَرَقَتْ شُرُوقًا، إِذَا طَلَعَتْ.
وقوله: ﴿وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً﴾ عطف على ﴿الْجِبَالَ﴾، و ﴿مَحْشُورَةً﴾ حال من ﴿وَالطَّيْرَ﴾، أي: وسخرنا له الطير مجموعة إليه من كل ناحية. وقيل: الواو بمعنى مع، وليس بشيء، لأن شرط هذا الباب أن يكون الفعل لازمًا نحو: اسْتَوى الماءُ والخشبةَ، لأداءِ ذلك إلى اللبس، ويجوز رفع (الطير) مع (محشورة) (١) على الابتداء والخبر، ورفعه مع نصب (محشورة) عطفًا على الضمير في ﴿يُسَبِّحْنَ﴾.
وقوله: ﴿كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ في الضمير في (له) وجهان:
أحدهما: لداود عليه السلام، أي: كل واحد من الجبال والطير رَجّاع لأجل داود، أي مسبح لأجل تسبيحه، لأنها كانت تسبح بتسبيحهِ على ما فسر (٢). وقيل مطيع له (٣).
والثاني: لله عز وجل، أي: كل من داود والجبال والطير أَوَّاب لله تعالى، أي مسبح أو مطيع (٤).

(١) بل هي قراءة عزيت لابن أبي عبلة، انظر مختصر الشواذ /١٢٩/. والمحرر الوجيز ١٤/ ١٧. وزاد المسير ٧/ ١١١ حيث نسبها ابن الجوزي إلى آخرين أيضًا.
(٢) انظر جامع البيان ٢٣/ ١٣٧.
(٣) أخرجه الطبري ٢٣/ ١٣٨ عن قتادة، وابن زيد.
(٤) انظر هذا القول مع الذي قبله في معاني الزجاج ٤/ ٣٢٤. ومعاني النحاس ٦/ ٩٠.


الصفحة التالية
Icon