وعلى الثالث: مفعول له، أي: قعدت وتأخرت عن ذكر ربي حبًا للخير، أي: لأجل حب الخير. وأما ﴿عَنْ﴾ على الوجه الأول فمن صلة ﴿أَحْبَبْتُ﴾. وأما على الثاني: فيجوز أن يكون متعلقًا بمحذوف على: أحببت حب الخير فسهوت عن ذكر ربي، وأن يكون في موضع الحال، أي: معرضًا عن ذكر ربي، ولك أن تعلقه بعين ﴿أَحْبَبْتُ﴾ على تضمنه معنى فعل يتعدى بعن أي: أنَبْتُ حب الخير عن ذكر ربي، أو جعلت حب الخير مُجزيًا أو مُغنيًا عن ذكر ربي. وكذا على الوجه الثالث: يجوز أن يكون من صلة ﴿أَحْبَبْتُ﴾ وقد ذكرته مقدرًا، وأن يكون في موضع الحال، أي: مُعرضًا عن ذكر ربي، وقد ذكر أيضًا، فاعرفه فإنه موضع.
و﴿ذِكْرِ رَبِّي﴾ مضاف إلى المفعول، أي: عن أن أذكر ربي، أو إلى الفاعل، أي: عن أن يذكرني ربي، أو أن ذكرني ربي، وهو أَنْ ذَكَرَهُ في التوراة بإقامة الصلاة على ما فسر. واختلف في الخير، فقيل: الخيل، قال الفراء: العرب تسمى الخيلَ: الخيرَ (١)، لأن الخير يجيء من جهتها. وقيل: المال (٢)، كقوله: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ (٣) ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ (٤) والمال الخيل التي شغلته.
وقوله: ﴿حَتَّى تَوَارَتْ﴾ المنوي في توارت للشمس، دَلَّ عليها مرور ذكر العشي، لأن المضمر لا بد له من جري ذكر أو دليل ذكر في الأمر العام، وله في التنزيل نظائر (٥). وقيل: الضمير للصافنات، أي: إلى أن غابت
(٢) جامع البيان ٢٣/ ١٥٥ عن السدي.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١٨٠.
(٤) سورة العاديات، الآية: ٨.
(٥) كقوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن: ٢٦]. وقوله: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾ [الواقعة: ٨٣].