﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (٣٤) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٣٨) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ في نصب قوله: ﴿جَسَدًا﴾ وجهان: أحدهما: هو مفعول ﴿وَأَلْقَيْنَا﴾، وجاء في التفسير: أن سليمان عليه السلام مرض مرضًا شديدًا امتحنه الله به حتى صار جسده مطروحًا على كرسيه، كأنه لا روح فيه من شدة مرضه، وقد يوصف المريض الذي اشتد مرضه بأنه جسد بلا روح. وقوله: ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾ أي: عاد إلى الصحة (١). وقيل: أذنب ذنبًا فسلبه الله بسبب ذلك الذنب ملكه أربعين يومًا، وأجلس مكانه شيطانًا، وكان خاتمه ضاع فوجده، فعاد إلى مكانه (٢). وقيل: أُلقي على كرسيه من السحاب ولد ميت (٣).
والثاني: حال من مفعول محذوف، أي: ألقيناه جسدًا، وهذا الضمير المفعول لأحد المذكورين آنفًا.
وقوله: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ (تجري) في موضع الحال من الريح، أي: جارية، ورخاء حال، إما من الريح، أو من المنوي في ﴿تَجْرِي﴾، أي: سهلةً لينةً، من الشيء الرخو، وقيل: طيبة (٤).
(٢) انظر جامع البيان ٢٣/ ١٥٦ - ١٥٩ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره.
(٣) انظر معاني النحاس ٦/ ١١٤ واعرابه ٢/ ٧٩٥. والنكت والعيون ٥/ ٩٦.
(٤) أخرجه الطبري ٢٣/ ١٦٠ عن مجاهد.