و ﴿حَيْثُ﴾ يجوز أن يكون معمول (سَخَّرنَا)، وأن يكون معمول تجري.
و﴿أَصَابَ﴾: قصدَ وأرادَ في لغة حمير (١)، يقولون: أصاب الصواب وأخطأ الجواب (٢). وعن رؤبة: أن رجلين من أهل اللغة قصداه ليسألاه عن هذه الكلمة، فخرج إليهما فقال: أين تصيبان؟ فقالا: هذه طلبتنا، ورجعا (٣).
وقوله: ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾
(والشياطين) عطف على الريح، أي: وسخرنا له كل بَنّاء وغواص من الشياطين. ﴿وَآخَرِينَ﴾ عطف على ﴿كُلَّ﴾ داخل في حكم البدل، وهو بدل الكل من الكل. و ﴿مُقَرَّنِينَ﴾ صفة لآخرين، كانوا يبنون له ما شاء من الأبنية، كقوله: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ﴾ (٤) ويغوصون له فيستخرجون له من اللؤلؤ. والأصفاد: جمع صَفَد، وهو القيد.
وقوله: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ اختلف في الباء في ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾: فقيل: من صلة ﴿عَطَاؤُنَا﴾. وقيل في موضع الحال، وفي ذي الحال وجهان:
أحدهما: ﴿عَطَاؤُنَا﴾، أي: هذا عطاؤنا كثيرًا واسعًا، وتعضد الوجهين قراءة من قرأ: (هَذَا فامنن أَوْ أَمْسِكْ عطاؤنَا بغير حساب) أعني تعلقه بـ ﴿عَطَاؤُنَا﴾ أو حالًا منه، وهو ابن مسعود -رضي الله عنه- (٥).
والثاني: المنوي في ﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ﴾، أي: غير محاسَبٍ.

(١) كذا في القرطبي ١٥/ ٢٠٦ أيضًا. وحكاه الماوردي ٥/ ٩٩ عن قتادة أنه بلسان هجر. وكونه بمعنى (أراد) أخرجه الطبري ٢٣/ ١٦١ - ١٦٢ عن كثيرين.
(٢) حكوه عن الأصمعي. انظر معاني النحاس ٦/ ١١٥. والنكت والعيون ٥/ ٩٩. والكشاف ٣/ ٣٢٩.
(٣) كذا عن رؤبة في الكشاف الموضع السابق.
(٤) سورة سبأ، الآية: ١٣.
(٥) انظر قراءته في معاني الفراء ٢/ ٤٠٥. وجامع البيان ٢٣/ ١٦٤. والكشاف ٣/ ٣٣٠.


الصفحة التالية
Icon