وقوله: ﴿لَا نَرَى﴾ حال من المنوي في ﴿لَنَا﴾.
وقوله: (اتخذناهم سخريًا) قرئ: (اتَّخْذنَاهُمْ) بوصل الألف (١) وذلك يحتمل وجهين: أن يكون خبرًا، وأن يكون صفة لقوله: ﴿رِجَالا﴾ بعد صفة، كأنه قيل: مالنا لا نرى رجالا معدودين من الأشرار مسخورًا بهم. وأن يكون استفهامًا، وقد حذف حرفه لدلالة (أم) عليه. وبقطعها (٢)، وهو همزة الاستفهام، وذلك أنه لما اجتمع ألف الاستفهام وألف الوصل حذف حرف ألف الوصل لعدم اللبس. والاستفهام معناه الإنكار والتوبيخ، كأنهم أقبلوا على أنفسهم منكرين عليها وموبخين على ما صدر منها من الاستسخار بالمؤمنين. وأما ﴿أَمْ زَاغَتْ﴾ ففيها وجهان على القراءتين:
أحدهما: منقطعة، بمنزلة قولهم: إنها لإِبل أم شاء، و: أَزَيْدٌ عندك أم عندك عمرو؛ والتقدير: ما لنا لا نرى رجالا بهذه الصفة في النار، كأنهم ليسوا فيها، بل زاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم فيها؟ قسموا أمرهم بين أن يكونوا من أهل الجَنَّة وبين أن يكونوا من أهل النار إلَّا أنه خفي عليهم مكانهم.
والثاني: متصلة، والجملة المعادلة لأَمْ على قراءة من قرأ على الخبر، وقلنا إنه خبر محذوف والتقدير: أَمفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار، وأما من قرأ على لفظ الاستفهام فعودل بأم، لأنه على لفظ الاستفهام، كما عودل بها قوله: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ (٣) لأنَّها على لفظ الاستفهام وإن لَمْ تكن استفهامًا في المعني، وهذا قول أبي علي (٤).

(١) مع كسرها في الابتداء، وقرأها البصريان، والكوفيون عدا عاصمًا كما سوف أخرج.
(٢) يعني: (أَتَّخَذْنَاهُمْ) وهذه قراءة الخمسة الباقين. انظر السبعة / ٥٥٦/. والحجة ٦/ ٨٢. والمبسوط / ٣٨١/. والتذكرة ٢/ ٥٢٦.
(٣) سورة المنافقون، الآية: ٦.
(٤) حجته ٦/ ٨٣.


الصفحة التالية
Icon