على إضمار أَنْ معه حكمًا وتقديرًا، فلفظه لفظ الفعل، ومعناه المصدر كقولهم: "تسمعُ بالمعيديّ خيرٌ من أن تراه" (١) أي: سَماعُكَ، لأن الفعل لا يخبر عنه، وقريب منه قوله عزَّ وجلَّ: (فشربوا منها إلَّا قليلٌ منهم) على قراءة من رفع (٢) حملًا على المعني، لأن معنى قوله: ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ﴾: لم يطيعوه، فحمل عليه وأبدل منه، كأنه قيل: فلم يطيعوه إلَّا قليل منهم، فاعرفه فإنه موضع. وقيل: انتصابها إتباعٌ، يعني أتبع اللام العين (٣).
قوله عزَّ وجلَّ: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾، [في الكلام حذف، أي: أفمن شرح الله صدره للإسلام] (٤) كمن أَقْسَى قلبه عن الإيمان. و ﴿قُلُوبُهُمْ﴾ رفع بـ (القاسية) على الفاعلية.
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدًى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٢٣) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦)﴾:
قوله عزَّ وجلَّ: ﴿نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ (كتابًا) بدل من ﴿أَحْسَنَ﴾، و ﴿مُتَشَابِهًا﴾ نعت لكتاب، وكذا ﴿مَثَانِيَ﴾ وكذا ﴿تَقْشَعِرُّ﴾. قيل: والمثاني جمع مُثَنَّي، بمعنى مردّد ومكرّر لما ثُنِّي من

(١) مَثَل تقدم تخريجه، وانظر الصحاح (عدد).
(٢) انظر إعرابه للآية (٢٤٩) من البقرة.
(٣) انظر هذا القول في البيان ٢/ ٣٢٣.
(٤) من (أ) فقط.


الصفحة التالية
Icon