فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولَا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (٣٤)}:
قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ظَاهِرِينَ﴾ حال من الكاف والميم في ﴿لَكُمُ﴾، والعامل فيها الاستقرار ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾ (ما أرى) ﴿مَا﴾ موصول في موضع النصب لكونه مفعولًا ثانيًا لأريكم، وأرى من الرأي الذي هو الاعتقاد، أي: ما أشير عليكم برأي إلَّا بما أرى لي ولكم صلاحًا وصوابًا.
وقوله: ﴿وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ الجمهور على تخفيف الشين، وهو مصدر رَشَدَ يَرْشُد رَشادًا، أي: إلَّا طريق الصواب والصلاح، وقرئ: (إلَّا سبيل الرَّشَّادِ) بتشديدها (١)، والمراد به موسى -عليه السلام-، أو الله جلَّ ذكره، وهو فَعَّال من رَشِدَ يَرْشَدُ، كعَلَّام من عَلِمَ يَعْلَمُ، أو من رَشَدَ يَرْشُدُ، كعَبَّادٍ من عَبَد يَعْبُدُ، ولا ينبغي أن يكون من أَرْشَدَ يُرْشِدُ كَجَبَّارٍ من أجْبَرَ، وَسَئَّارٍ من أسأر، وَقَصَّارٍ من أقصر، ودَرَّاكٍ من أَدْرَكَ كما زعم بعضهم، لأن فعالًا من أفعل لَمْ يجئ إلَّا في هذه الأحرف المذكورة آنفًا وهو قليل، ولا يصح القياس على القليل. وقيل: إن ذلك محمول على أنَّه خرج على تقدير حذف الزيادة، فكأنه من جَبَرَ وَسَأَرَ وَقَصَرَ وَدَرَكَ، وقد لسُمِع من القوم جَبَرَهُ على الأمر، وقَصَرَ عن الأمر، وقِسْ عليهما سَئَّار ودرّاك تقديرًا على أنَّهما من سأَرَ وَدَرَكَ وإن لَمْ يُلْفَظْ بهما، ويجوز أن يكون منسوبًا إلى الرشد كَبَتَّاتٍ وَعَوَّاجِ، ولم يُنظر إلى فعله (٢).
وقوله: ﴿مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾: ﴿مِثْلَ﴾ الثاني بدل من ﴿مِثْلَ﴾ الأول، والتقدير: أخاف عليكم

(١) قرأها معاذ بن جبل رضي الله عنه كما في معاني النحاس ٦/ ٢١٨. ومختصر الشواذ / ١٣٢/. والمحتسب ٢/ ٢٤١. والمحرر الوجيز ١٤/ ١٣٥.
(٢) انظر كهذا التخريج أيضًا في المحتسب الموضع السابق، والكشاف ٣/ ٣٦٩ - ٣٧٠.


الصفحة التالية
Icon