الله تعالى قد أرسل الرسل من البشر وأرسل إليهم. وقيل: ﴿أَوْ﴾ بمعنى إلا أن، أي: إلا أن يرسلَ رسولًا، كقولك: لَأَلْزَمَنَّكَ أو تعطيني حقي، أي: إلا أن تعطيني.
والثاني: استثناء منقطع، لأن الوحي إلقاء وإلهام وليس بتكليم، فإن قدرته استثناء كانت (مِن) في قوله: ﴿مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ من صلة محذوف دل عليه ﴿أَنْ يُكَلِّمَهُ﴾ ويكون هذا المقدر المحذوف معطوفًا على قوله: ﴿إِلَّا وَحْيًا﴾، لأنه بمعنى إلا أن يوحِيَ، والتقدير: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي إليه أو يكلمه من وراء حجاب، ثم حذف (يكلم) من الصلة، لأن ذكره قد جرى وإن كان خارجًا من الصلة، ولا يجوز أن يكون من صلة هذا الظاهر لأمرين:
أحدهما: أن ما قبل الاستثناء لا يعمل فيما بعده إذا كان تامًا، لأن حرف الاستثناء في معنى حرف النفي، ألا ترى أنك إذا قلت: قام القوم إلا زيدًا، فالمعنى: قام القوم لا زيد، فكما لا يعمل ما قبل حرف النفي فيما بعده، كذلك لا يعمل ما قبل الاستثناء إذا كان كلامًا تامًا فيما بعده، وكذلك لا يعمل ما بعد (إلا) فيما قبله، نحو: ما أنا الخبزَ إلا آكل، كما لم يعمل ما بعد حرف النفي فيما قبله.
والثاني: أنك تَفْصِلُ بين الصلة والموصول بالأجنبي، وذلك أن قوله: ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ في صلة قوله: ﴿وَحْيًا﴾ الذي هو بمعنى أن يوحي، والذي يُعطَف على الصلة هو منها، فإن جعلت ﴿مِنْ وَرَاءِ﴾ من صلة ﴿أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ﴾ وهذا الفعل ليس من الصلة، فرقت بين الصلة والموصول بالأجنبي الذي ليس منهما، فاعرفه فإنه من كللام الشيخ أبي علي رحمه الله (١).