قوله عز وجل: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ﴾ الجمهور على فتح همزة ﴿أَنَّكُمْ﴾ وفيه وجهان:
أحدهما: في موضع رفع على أنه فاعل الفعل الذي هو ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ﴾، أي: لن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب، أي تَأَسِّيكم فيه.
والثاني: في موضع نصب على أنه مفعول له، وفاعل الفعل مضمر دل عليه قوله: ﴿يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ﴾، أي: لن ينفعكم اليوم تبرؤ بعضكم من بعض، لأنكم في العذاب مشتركون، تعضده قراءة من قرأ: (إنكم) بالكسر على الاستئناف وهو ابن ذكوان، رواه عنه ابن مجاهد (١)، و ﴿الْيَوْمَ﴾ ظرف لقوله: لن ينفعكم، و ﴿إِذْ﴾ بدل من اليوم.
فإن قلت: كيف يصح أن تكون؛ ﴿إِذْ﴾ بدلًا من ﴿الْيَوْمَ﴾ وهما وقتان مختلفان؟ قلت: لأن الماضي والمستقبل عند الله سِيّان، فصح لذلك أن يكون أحدهما بدلًا من الآخر، وهو قول الشيخ أبي علي، قال أبو الفتح: سألت الشيخ أبا علي عن ﴿إِذْ﴾ هنا وراجعته فيها مرارًا، فآخر ما حصل منه أن الدنيا والأخرى متصلتان، وهما سواء في حكم الله وعلمه، فتكون ﴿إِذْ﴾ بدلًا من ﴿الْيَوْمَ﴾ كأنها مستقبلة، أو كأن ﴿الْيَوْمَ﴾ ماضٍ، انتهى كلامه (٢).
ويجوز أن يكون ﴿إِذْ﴾ تعليلًا، أي: لأجل إذ ظلمتم، وإليه أشار بعض أصحابنا فقال: ﴿إِذْ﴾ بمعنى (أن)، أي: لأن ظلمتم. وقيل: في

(١) في كتابه السبعة / ٥٨٦/ وعنه الفارسي في الحجة ٦/ ١٥٥ لكنه لم يخص ابن ذكوان بل أطلقها عن ابن عامر. وكذلك حكاها عنه ابن خالويه في إعراب القراءات السبع ٢/ ٣٠٢ وابن عطية في المحرر ١٤/ ٢٦٠. وابن الجوزي في الزاد ٧/ ٣١٧. والرازي في مفاتيح الغيب ٢٧/ ١٨٤. ولم تذكر أغلب مصادر القراءات هذه القراءة عن ابن عامر، لذلك قال القرطبي ١٦/ ٩١: باختلاف عنه. وابن ذكوان هو عبد الله بن أحمد بن بشر شيخ الإقراء بالشام وإمام جامعها، توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين.
(٢) انظر كلام أبي الفتح عن أبي علي في التبيان ٢/ ١١٤٠.


الصفحة التالية
Icon