وقرئ: (إحْسَانًا) (١)، أي: وصيناه بأن يحسن إليهما إحسانًا، فحذف الفعل واقتصر على المصدر دالًا عليه، قال أبو علي: ولا ينتصب بوصينا؛ لأن (وصينا) قد استوفى مفعوليه، انتهى كلامه (٢).
والباء من ﴿بِوَالِدَيْهِ﴾ من صلة (وصينا)، بشهادة قوله: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ﴾ (٣) لا من صلة إحسانٍ، لأن ما كان في صلة المصدر لا يتقدم عليه.
وقوله: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا﴾ قرئ: بضم الكاف وفتحها (٤)، وهما لغتان كالشُّرْبِ والشَّرْب، والضُّعْفِ والضَّعْفِ، والفُقْرِ والفَقْر، في معنى المشقة. وانتصابه إمًا على الحال، أي: كارهةً أو ذاتَ كُرْهٍ، أو على أنه نعت لمصدر محذوف، أي: حَمْلًا ذا كُرْهٍ، وهذا المصدر المقدر مُؤَكِّدٌ لفعله، وإنما حذف لدلالة الصفة عليه.
وقوله: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ في الكلام حَذْفُ مضافٍ تقديره: ومدة حمله وفصاله ثلاثون، لا بد من هذا التقدير، ولولا هذا لكان ﴿ثَلَاثُونَ﴾: منصوبًا على الظرف، وفي ذلك تغيير المعنى.
وقرئ: (وَفَصله) بفتح الفاء وإسكان الصاد (٥)، والفَصْلُ والفِصَالُ كالفَطْم والفِطام، لغتان بمعنىً. و ﴿أَشُدَّهُ﴾ و ﴿أَرْبَعِينَ﴾ مفعولا البلوغ، أي: بلغ وقتَ أَشده وتمامَ أربعين، فحذف المضاف.
(٢) الحجة ٦/ ١٨٣.
(٣) سورة الأنعام، الآية: ١٥١ و ١٥٣.
(٤) تقدم هذا الحرف في النساء (١٩). والقراءتان من المتواتر، وقرأ هنا الكوفيون، وابن ذكوان، ويعقوب: (كُرها) بضم الكاف، وقرأها الباقون: (كَرها) بفتحها. انظر السبعة / ٥٩٧/. والحجة ٦/ ١٨٤. والمبسوط/ ١٧٧/. والتذكرة ٢/ ٥٥٤.
(٥) قراءة صحيحة ليعقوب وحده. انظرها مع قراءة الباقين من العشرة في المبسوط ٤٠٥ - ٤٠٦. والتذكرة ٢/ ٥٥٤. والنشر ٢/ ٣٧٣. وهي قراءة الحسن، وأبي رجاء، وعاصم الجحدري كما في المبسوط.