فإن قلت: هل يجوز أن يكون في موضع جر على النعت للكفار أو على البدل منهم؟ قلت: أما على النعت فلا (١)، لأن (كفارًا) نكرة، والنكرة لا توصف بالموصولة، إنما الموصولة جيء بها وصلة إلى وصف المعارف بالجمل. وأما على البدل فلا يمتنع.
قيل: فإن قيل: لم أخليت هذا الجملة من الواو وأدخلت على الأولى؟ قيل: لأنها استؤنفت كما تُستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول، كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى وفرعون، فإن قيل: فأين التقاول ههنا؟ قيل: لما قال قرينه ﴿هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾، وتبعه قوله: ﴿قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ﴾ وتلاه ﴿لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾. عُلِم أن ثَمَّ مقاولة من الكافر، لكنها طرحت لما يدل عليها، كأنه قال: رب هو أطغاني، فقال قرينه: ربنا ما أطغيته، وأما الجملة الأولى فواجب عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول، أعني مجيء كل نفس مع الملكين، وقول قرينه ما قال له، قاله الزمخشري (٢).
وقوله: ﴿وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ﴾ في الباء أوجه:
أحدهما: صلة، كالتي في قوله: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ (٣).
والثاني: مُعَدِّيَةٌ، على أَنَّ (قَدَّمَ) لازم بمعنى تقدم، وقد أُوضح في أول الحجرات (٤).
والثالث: حال، وذو الحال محذوف وهو مفعول ﴿قَدَّمْتُ﴾، أي: قدمت إليكم القول ملتبسًا بالوعيد.
(٢) الكشاف ٤/ ٢٢.
(٣) سورة العلق، الآية: ١٤.
(٤) الآية (١) منها.