على الضمير المنصوب في ﴿يَنْصُرُهُ﴾، أي: وينصر رسله، كقوله: ﴿وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ (١). ولا يجوز أن يكون عطفًا على مفعول ﴿لِيَعْلَمَ﴾ وهو ﴿مَنْ﴾ لأن فيه فصلًا بين الصلة والموصول، وذلك أن قوله: ﴿بِالْغَيْبِ﴾ من صلة ﴿يَنْصُرُهُ﴾ ولا يجوز أن يكون من صلة (يَعْلَمَ) لفساد المعنى، وإذا كان من صلة ﴿يَنْصُرُهُ﴾ كان من تمام صلة ﴿مَنْ﴾ ولا يجوز العطف على الموصول قبل تمام صلته فاعرفه، وقد ذكر نظير هذا فيما سلف من الكتاب في غير موضع (٢).
وقوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ﴾ عطف على قوله: ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ﴾ و ﴿لِيَقُومَ﴾ من صلة ﴿أَنْزَلْنَا﴾.
وقوله: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا﴾ انتصاب قوله: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً﴾ بفعل مضمر دل عليه ما بعده، والتقدير: وابتدعوا رهبانية، ثم فسر المضمر بقوله جل ذكره ﴿ابْتَدَعُوهَا﴾ لا بالعطف على الرحمة، لأجل أنك إذا عطفت على الرحمة وجب أن تجعل ﴿ابْتَدَعُوهَا﴾ صفة لها، حتى كأنك قلت: ورهبانيةً مبتدعةً لهم، وهذا غير مستقيم لأن الرهبانية لو كان حكمها حكم الرحمة لما وصفت بأنها مبتدعة من جهتهم، وإذا لم يستقم هذا وجب أن يكون انتصابها بمضمر دل عليه ما بعده، والوقف على ﴿وَرَحْمَةً﴾، وقيل: إنها معطوفة على الرحمة، و ﴿ابْتَدَعُوهَا﴾ صفة لها، على معنى: أن الله تعالى أعطاهم إياها فغيروا وابتدعوا فيها، والأول هو الوجه وعليه الجل (٣).
والرهبانية: من الرهبة وهي الخوف، وذاك أن يبلغ من خوف الله إلى حال ينقطع معها عن الناس، وعن ملأ الدنيا، وينفرد بالعبادة.

(١) سورة الحشر، الآية: ٨.
(٢) تقدم الإشارة إلى هذا قبل قليل عند إعراب الآية (١٨).
(٣) انظر معاني الزجاج ٥/ ١٣٠. وإعراب النحاس ٣/ ٣٦٨. والكشاف ٤/ ٦٩. والبيان ٢/ ٤٢٥. والتبيان ٢/ ١٢١١. وانتصر أبو حيان ٨/ ٢٢٨. وتلميذه السمين ١٠/ ٢٥٥ للوجه الثاني.


الصفحة التالية
Icon