وأَجاز الفراء فيه (بَراء) بفتح الباء على لفظ الواحد، لأن (بَراء) في الأصل مصدر، فهو يقع على الواحد والجمع، والمعنى: ذو بَراءٍ، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ﴾ (١) أي: ذو بَراءٍ (٢).
وقوله: ﴿وَحْدَهُ﴾ مصدر في موضع الحال، أي: واحدًا منفردًا.
وقوله: ﴿إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ﴾ استثناء من قوله: ﴿أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾، أي: لكم أسوة في إبراهيم إذ تبرأ من قومه لكفرهم، إلا قوله لأبيه: لَأَستغفرن لك، فإنه لا أسوة لكم به، لأنه لا يجوز الاستغفار لأعداء الله.
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩)﴾:
قوله عز وجل: ﴿لِمَنْ كَانَ﴾ بدل من ﴿لَكُمْ﴾ وقد ذكر في "الأحزاب" بأشبع من هذا (٣).
وقوله: ﴿أَنْ تَبَرُّوهُمْ﴾ يجوز أن يكون في موضع جر على البدل من ﴿الَّذِينَ﴾، أي: لا ينهاكم الله عن أن تبروهم، وهو بدل الاشتمال.
وقوله: ﴿وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾ عطف على قوله: ﴿أَنْ تَبَرُّوهُمْ﴾، وعُدّي بإلي على تضمين الإحسان، كأنه قيل: وتحسنوا إليهم.
(١) سورة الزخرف، الآية: ٢٦.
(٢) انظر قول الفراء هكذا في مشكل مكي ٢/ ٣٧١. والدر المصون ١٠/ ٣٠٤ - ٣٠٥. وصحف الضبط في إعراب النحاس ٣/ ٤١٣. ومعاني الفراء ٣/ ١٤٩ - ١٥٠ والله أعلم.
(٣) انظر إعرابه للآية (٢١) منها.