والثاني: في موضع جر على أنه نعت للقوم، والمقصود بالذم محذوف، والتقدير: بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله مثلهم، أو هذا، لأن قبله ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ﴾، فهذا إشارة إلى المثل المذكور، والوصف بالذم وإن كان جاريًا على المثل في اللفظ فإنه في المعنى والحقيقة للقوم، والتقدير: بئس القوم قوم هذا مثلهم.
﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)﴾:
قوله عز وجل: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ في خبر (إنَّ) وجهان:
أحدهما: ﴿فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ ودخلت الفاء في خبر ﴿إِنَّ﴾ لأن اسمه موصوف بموصول، والصفة والموصوف كالشيء الواحد، واسم إن إذا كان موصولًا جاز دخول الفاء في الخبر إذا كانت الصلة فعلًا أو ظرفًا، كقولك: إن الذي يأتيني فمكرم، وإن الذي في الدار فمكرم، وكذلك إذا كان اسم إن موصوفًا بموصول نحو: إن الشخص الذي يأتيني فمكرم، وإنما كان كذلك لتضمن ﴿الَّذِي﴾ معنى الشرط، لأن ﴿الَّذِي﴾ مبهم، والإبهام حد من حدود الشرط، ألا ترى أنك إذا قلتْ: الذي يأتيني فله درهم، معناه: إن أتاني إنسان فله درهم مستحق بالإتيان، متوقف على وجود الإتيان كما يتوقف الجزاء على الشرط.
قيل: فإن قيل: ما ذكرته لا يصح في الآية، لأن الموت ملاقٍ لهم لا محالة، فروا منه أو لم يفروا، فلا معنى للجزاء في الآية، فوجب أن تكون الفاء صِلَةً كما زعم بعضهم. فالجواب: إن هذا وارد في حق من اعتقد وظن أن الفرار ينجيه إلى وقت آخر.
والثاني: الخبر ﴿الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ﴾، بمعنى: قل إن الموت هو