وقوله: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ الجملة في موضع الصفة لقوله: ﴿طِبَاقًا﴾. وأصلها، ما ترى فيهن من تفاوت، فوضع مكان الضمير، قاله الزمخشري (١). والخلق مصدر بمعنى المخلوق.
وقرئ: (من تفاوت) بألف مع تخفيف الواو (٢)، وهو مصدر تفاوتَ تفاوتًا، كتعاهد تعاهدًا، و (مِن تَفَوُّتٍ) بتشديد الواو من غير ألف (٣)، وهو مصدر تَفَوَّتَ تَفَوُّتًا، كَتَعَقَدَ تَعَهُّدًا، لغتان بمعنى.
وقوله: ﴿ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾ انتصاب ﴿كَرَّتَيْنِ﴾ كما على المصدر، كأنه قيل: رجعتين. واختلف في ﴿كَرَّتَيْنِ﴾:
فقيل: لَمْ يرد اثنتين، وإنما أراد أن يكرر النظر إليها مرارًا، كما تقول: قد قلت ذلك لك مرّة بعد مرّة، وإنما قلته مرارًا كثيرة، وهو الوجه بشهادة قوله: ﴿وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ إذ قد عُلم أنه بكرتين اثنتين لا يصير حسيرًا، وإنما يصير حسيرًا بمرار كثيرة، وقد شبه هذا بقولهم: لبيك وسعديك، يريدون إجابات كثيرة، أي: إلبابًا بعد إلبابٍ، وإسعادًا بعد إسعاد (٤).
وقيل: أراد: كَرِّر النظر مرتين مع الأولى. وقيل: كرتين سوى الأولى. وقيل: أراد انظر إليها فارجع البصر، فهاتان كرتان، ثم ارجع البصر كرتين أخريين، فهذه أربع كَرَّات.
وقوله: ﴿يَنْقَلِبْ﴾ مجزوم على جواب شرط محذوف. ﴿خَاسِئًا﴾ حال من ﴿الْبَصَرُ﴾، وهو فاعل إما على بابه، أي: صاغرًا، أو بمعنى مفعول، أي: مبعدًا، يقال: خَسَأ الكلب وخسأته.

(١) الكشاف ٤/ ١٢١.
(٢) هذه قراءة أكثر العشرة كما سوف أخرج.
(٣) قرأها حمزة، والكسائي. وقرأ الباقون بالأولى. انظر السبعة / ٦٤٤/. والحجة ٦/ ٣٠٥. والمبسوط / ٤٤١/. والتذكرة ٢/ ٥٩٣.
(٤) انظر هذا القول في الكشاف ٤/ ١٢١. والبيان ٢/ ٤٥٠.


الصفحة التالية
Icon