وقوله: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ﴾ يجوز أن يكون من صلة ﴿أُغْرِقُوا﴾ و (ما) صلة جيء بها للتعظيم، أي: من جهة أو من أجل خطاياهم العظيمة أغرقوا، تعضده قراءة من قرأ: (مِنْ خَطِيَئَاتِهِمِ ما أُغرقوا) بتأخير الصلة، وهو ابن مسعود رضي الله عنه (١)، وأن يكون من صلة قوله: ﴿وَلَا تَزِدِ﴾، أي: ولا تزدهم إلا ضلالًا من أجل خطاياهم، والأول أمتن. وقرئ: (خطاياهم) و (خطيئاتهم) (٢). و (خطيئتهم) بالتوحيد (٣) على إرادة الجنس، وقد أوضحت جميع ذلك فيما سلف من الكتاب (٤).
وقوله: ﴿فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ مجيء الفاء هنا يدل على أن دخولهم النار عقيب الغرق، ويدل عليه عذاب القبر، لأن الفاء للتعقيب (٥). و ﴿نَارًا﴾: مفعول ثان.
﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (٢٨)﴾:
قوله عز وجل: ﴿لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ أي: أحدًا، وهو من الأسماء المستعملة في النفي العام، يقال: ما بها دُورِيٌّ وما بها

(١) انظر قراءته كذلك في معاني الفراء ٣/ ١٨٩. والكشاف ٤/ ١٤٤. والرازي ٢٩/ ١٢٨.
(٢) القراءتان من المتواتر، الأولى لأبي عمرو وحده. والثانية لباقي العشرة. انظر السبعة / ٦٥٣/. والحجة ٦/ ٣٢٨. والمبسوط/ ٤٥٠/. والتذكرة ٢/ ٥٩٩.
(٣) قرأها الجحدري وآخرون. انظر مختصر الشواذ/ ١٦٢/. والمحرر الوجيز ١٦/ ١٢٨. وزاد المسير ٨/ ٣٧٤. والقرطبي ١٨/ ٣١١.
(٤) تقدمت كلمة (خطايا) في البقرة (٥٨). وكلمة (خطيئاتكم) في الأعراف (١٦١) لكنه لم يتحدث عن قراءات في كلا الموضعين، وإنما تحدث عن تصريف كلمة (خطايا) في آية البقرة فقط. والله أعلم.
(٥) انظر الكشاف ٤/ ١٤٤. وروي عن الضحاك أنه قال في هذه الآية: يعني عذبوا بالنار في الدنيا مع الغرق في الدنيا في حالة واحدة. كانوا يغرقون في جانب، ويحترقون في الماء من جانب. ذكره الثعلبي. انظر القرطبي ١٨/ ٣١١.


الصفحة التالية
Icon