الْإِنْسِ} في موضع الصفة لـ ﴿رِجَالٌ﴾، وكذا ﴿مِنَ الْجِنِّ﴾. و ﴿يَعُوذُونَ﴾ خبر ﴿كَانَ﴾، و ﴿رَهَقًا﴾ مفعول ثان لزاد، واختلف في فاعل الفعل، فقيل: الإنس، أي: فزاد الإنسُ الجنَّ رهقًا، أي: كبرًا وتعززًا في أنفسهم بذلك. وقيل: الجن، أي: فزاد الجنُّ الإنسَ رهقًا، أي: طغيانًا في الكفر بإغوائهم وإضلالهم لاستعاذتهم بهم (١).
وقوله: ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا﴾ أي: وأن الجن ظنوا ظنًّا مثل ظنكم أيها الكفرة، أن الأمر أو الشأن لن يبعث الله أحدًا بالرسالة بعد موسى عليه السلام، والعامل في ﴿أَنْ﴾ الفعل الثاني أو الأول على الخلاف المشهور بين الفريقين.
وقوله: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا﴾ أي: عالجنا وقصدنا خبر السماء، فحذف المضاف. ﴿فَوَجَدْنَاهَا﴾: يجوز أن يكون بمعنى صادفناها، من وجدان الضالة فيتعدى إلى مفعول واحد. و ﴿مُلِئَتْ﴾ في موضع الحال، و (قد) مرادة معه، وأن يكون بمعنى وَجَدْتُ زيدًا ذا الحفاظ، فيتعدى إلى مفعولين، فيكون ﴿مُلِئَتْ﴾ في موضع المفعول الثاني، أي: علمناها مملوءةً. و ﴿حَرَسًا﴾: تمييز لا مفعُول ثان لقوله: ﴿مُلِئَتْ﴾ باق على أصله كما زعم بعضهم، لأن (مَلَأَ) لا يتعدى إلى مفعولين. وحرس اسم مفرد، ومعناه الجمع، ولذلك وصفه بشديد، هذا مذهب الحذاق من النحاة، ومثله رَكْبٌ ورَجْلٌ، ويدل على أنه اسم مفرد في معنى الجمع وليس بتكسير راكب وراجل قولهم في تصغيره (٢): ركيب ورجيل، ولم يقولوا: رويكبون، ولو قيل في الكلام: (شدادًا) حملًا على معناه، لكان جائزًا، مع أن ما كان على فعيل قد يأتي للجمع.
وقيل: إن ﴿شَدِيدًا﴾ صفة لمصدر ﴿مُلِئَتْ﴾ وقد حذف وأقيمت الصفة

(١) انظر القولين في الطبري ٢٩/ ١٠٨ - ١٠٩. والزجاج ٥/ ٢٣٤. والكشاف ٤/ ١٤٦.
(٢) في (ج) و (ط): تحقيره.


الصفحة التالية
Icon