وقوله: (نَسْلُكْه عذابًا صَعَدًا) الجمهور على فتح نون نَسلكه، سلكت الخيط في الإبرة، إذا أدخلته فيها، وكذا هنا التقدير: نسلكه في عذاب، وكفاك دليلًا: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ﴾ (١) فحذف الجار وأوصل الفعل.
وقرئ: (نُسلكه) بضم النون (٢)، من أسلكت، يقال: سلكته وأسلكته، لغتان بمعنىً. و ﴿صَعَدًا﴾ صفة لعذاب، أي: شاقًا، والمعنى: ذا صَعَدٍ، أي: ذا مشقةٍ، قيل: وهو مصدر صَعِد، يقال: صَعِدَ يَصعَدُ صَعَدًا وصُعُودًا، فوصف به العذاب لأنه يَتَصَعَّدُ المُعَذَّبَ، أي: يعلوه ويغلبه فلا يطيقه.
﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (١٨) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (١٩) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (٢٠) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (٢٢) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (٢٣)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَأَنَّهُ﴾ أي: وأن الشأن أو الحديث. ﴿لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ أي: يدعو الله، وهو في موضع الحال، أي: دَاعِيًا مُصَلِّيًا.
﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾: الجمهور على كسر اللام وفتح الباء مخففة، وهو جمع لِبْدَةٍ، وهي ما تَلَبَّدَ بَعْضهُ على بعض، ومن هذا اشتقاق هذه اللُبود

(١) سورة المدثر، الآية: ٤٢. والقراءة من المتواتر للمدنيان والابنان وأبي عمرو. وقرأ الباقون: (يَسْلُكْهُ). انظر الحجة ٦/ ٣٣٢. والمبسوط/ ٤٤٩/.
(٢) قرأها مسلم بن جندب كما في إعراب النحاس ٣/ ٥٢٦. ومختصر الشواذ /١٦٣/. والقرطبي ١٩/ ١٩. ونسبت في المحرر الوجيز ١٦/ ١٣٨ - ١٣٩ إلى ابن جبير، وأظنه تصحيفًا والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon