وقوله: ﴿قُمِ اللَّيْلَ﴾ الجمهور على كسر الميم على أصل التقاء الساكنين، وقرئ: بضمها (١) إتباعًا لضمة القاف، وفتحها (٢) لخفة الفتحة، قال أبو الفتح: الغرض بهذه الحركة التبلُّغ بها هربًا من اجتماع الساكنين، فبأي الحركات تحرك فقد وقع الغرض، ثم قال: ولعمري إنَّ الكسر أكثر، فأما ألّا يجوزَ غيرُه فلا. حكى قطرب عنهم: قُمَ اللَّيْلَ، وقُلَ الحَقَّ، وبِعَ الثوبَ، فمن كسر فعلى أصل الباب، ومن ضم أتْبعَ، ومن فتح فجنوحًا إلى خفة الفتحة، انتهى كلامه (٣).
وقوله: ﴿إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ﴾ فيه وجهان:
أحدهما: ﴿نِصْفَهُ﴾ بدل من ﴿اللَّيْلَ﴾ قبل الاستثناء بدل بعض من كل، و ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ استثناء من النصف، أي: قم الليل نصفه، والمعنى: قم نصف الليل، كأنه قال: قم أقل من نصف الليل، فقدم المستثنى على المستثنى منه، والضمير في ﴿مِنْهُ﴾ و ﴿عَلَيْهِ﴾ للنصف.
والثاني: هو بدل من ﴿قَلِيلًا﴾، و ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ استثناء من ﴿اللَّيْلَ﴾، وأنكر بعضهم هذا، وقال: هذا غير مستقيم، لأن أحد النصفين مساوٍ للنصف الآخر، فلا يكون أحدهما قليلًا والآخر كثيرًا، فأجيب عنه فقيل: وإنما وصف النصف بالقلة بالنسبة إلى الكل.
قيل: وإذا جعلت ﴿نِصْفَهُ﴾ بدلًا من ﴿اللَّيْلَ﴾، كان تخييرًا بين أمرين: بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البت، وبين أن يختار أحد
(٢) ذكرها ابن خالويه، وابن جني في الموضعين السابقين دون نسبة، وانظرها أيضًا في الكشاف ٤/ ١٥٢. والبحر ٨/ ٣٦٠.
(٣) المحتسب ٢/ ٣٣٦.