وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (١٦)}:
قوله عز وجل: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ (مَنْ) يجوز أن تكون عطفًا على ياء النفس، وأن تكون مفعولًا معه. وانتصاب قوله: ﴿وَحِيدًا﴾ على الحال إما من ياء النفس على معنى: دعني منفردًا معه فأنا أجزيك في الانتقام منه عن كل منتقم، وإما من التاء في ﴿خَلَقْتُ﴾ على معنى: خلقتُ وحدي لا معين لي، وإمّا من العائد إلى (مَنْ) المحذوف، أي: خلقته وحيدًا لا مال له ولا ولد (١). ورجل وحيدٌ ووَحَدٌ ووَحِدٌ بمعنًى، أي: منفردٌ (٢).
وقوله: ﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا﴾ الجعل هنا بمعنى التصيير، ومفعولاه ﴿لَهُ مَالًا﴾. و ﴿بَنِينَ﴾: عطف على ﴿مَالًا﴾. و ﴿شُهُودًا﴾: صفة لهم، أي: حضورًا معه لا يفارقونه لأجل طلب المعاش لِغناهم. وواحد بنين: ابن، وحذفت ألف الوصل في الجمع لرد لام الكلمة، وإذا ردت اللام تحركت الفاء استغني عن ألف الوصل، وحذفت اللام لسكونها وسكون ياء الجمع بعدها، وكسر ما قبل الياء على أصل الباب، وكان حقها أن يبقى ما قبلها مفتوحًا ليدل على الألف الذاهبة كالمُصطفَينَ، ولكن ابن جَرَى على علته في الواحد على غير قياس، وكان حقه أن يكون بمنزلة عصًا ورحًا؟. وألا يدخله ألف وصل ولا يسكن أوله، فلما خرج عن أصله في الواحد خرج في الجمع أيضًا عن أصول العلل، لأن الجمع فرع على الواحد، وقد قالوا في النسب إليه: بنوي، فردُّوه إلى أصله، وأصل هذه الواو ألف منقلبة عن ياء وهي لام الكلمة. وقد أجاز صاحب الكتاب رحمه الله النسب إليه على لفظه، فأجاز: ابنيٌّ، ومنعه بعض الكوفيين (٣).
وقوله: ﴿تَمْهِيدًا﴾ مصدر مؤكد لفعله.

(١) اقتصر مكي ٢/ ٤٢٤ على هذا الوجه الأخير. وانظر الأوجه مجتمعة في التبيان ٢/ ١٢٥٠.
(٢) الصحاح (وحد).
(٣) انظر الكتاب ٣/ ٣٦١. وإعراب النحاس ٣/ ٥٤٢. ومشكل مكي ٢/ ٤٢٤ - ٤٢٥.


الصفحة التالية
Icon