والجملة خبر المبتدأ الأول الذي هو ﴿الْإِنْسَانُ﴾، كما تقول: زيد على رأسه عمامة، والعائد إلى المبتدأ الأول الهاء في ﴿نَفْسِهِ﴾، ودخول التاء على هذا لتأنيث الجوارح، فاعرفه فإنه موضع (١).
وقوله: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ جواب ﴿لَوْ﴾ محذوف، أي: لم تُقْبَلْ منه. والمعاذير جمع معذرة على غير قياس (٢)، وكان القياس معاذر. وقيل: المعاذير ليس بجمع معذرة، وإنما هو اسم جمع لها، ونحوه: المناكير في المنكر (٣)، يقال: ألقى عُذْرَهُ، إذا اعْتذَرَ. وقيل: المعاذير: السُّتُور، واحدها معذار، والمعنى على هذا: أن الكاتبين يكتبان عليه عمله ولو أرخى ستوره في الدنيا في حال معصيته (٤).
وقوله: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ﴾ أي: جمع القرآن في قلبك لتحفظه وتحوزه. و ﴿قُرْآنَهُ﴾: مصدر بمعنى القراءة، أي: إن علينا جمعه وإثبات قراءته في لسانك، فحذف المضاف، أو جمعه وضم بعضه إلى بعض، ففي قرآنه من المعنى ما ليس في جمعه، لأن الجمع قد لا يلزم أن يكون بعضه مضمومًا إلى بعض.
﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (٢٥)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (وجوه) مبتدأ، وخبره إما ﴿نَاضِرَةٌ﴾، و ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ خبر بعد خبر، و ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ ظرف
(٢) لأن معاذير جمع معذار.
(٣) قاله الزمخشري ٤/ ١٦٥.
(٤) هذا قول السدي كما في جامع البيان ٢٩/ ١٨٦. وقول الضحاك كما في النكت والعيون ٦/ ١٥٥. والكشاف ٤/ ١٦٤ - ١٦٥. وهو إلى الاثنين في معالم التنزيل ٤/ ٤٢٣.