للخبر، وإما ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ هو الخبر، و ﴿نَاضِرَةٌ﴾: صفة للوجوه. والناضرة الأولى: مِن نَضْرَةِ النعيم، وهو الإشراق، يقال: نَضَرَ وَجْهُهُ يَنْضُرُ نَضْرَةً ونَضَارَةً، إذا أشرق وأضاء، فهو ناضِرٌ. وأما الثانية: فمِن نَظَرِ العين، و ﴿إِلَى﴾ من صلتها، أي: تنظر إلى ربها خاصة نظر رؤية وعيان لا تنظر إلى غيره. ولهذا المعنى وهو الاختصاص قدم معمولها وهو ﴿إِلَى رَبِّكَ﴾ كما قدم الخبر لذلك في نحو قوله جل ذكره: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾، و ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ (١).
وليس قول من قال: إن ﴿نَاظِرَةٌ﴾: بمعنى منتظرة بمستقيم، لأن نَظَرْتُ إذا كان بمعنى الانتظار لا يدخل عليه حرف الغاية، يقال: نَظَرْتُ فلانًا، أي انتظرته، ولا يقال: نَظَرْتُ إليه (٢). وقول من قال - وهو بعض غلاة المعتزلة -: إنَّ ﴿إِلَى﴾ هنا اسم بمعنى النعمة، وهو واحد آلاءٍ، أي منتظرة نعمة ربها (٣)، ليس بمستقيم أيضًا، لأن الله تعالى أخبر عن الوجوه أنها ناعمة، قد حَلَّ النعيم بها وظهرت أماراته عليها، فكيف تنتظر ما أخبرنا الله جل ذكره أنه حَالٌّ فيها؟ إنما يُنتظَرُ الشيء الذي هو غير موجود. والوجه هو الأول وعليه الجمهور، وهو أن المراد رؤية الله جل ذكره، ومن اعتقد غير هذا فهو مبتدع زنديق (٤).

(١) الآيتان (١٢) و (٣٠) من هذه السورة.
(٢) أي لو كان بمعنى انتظرته لا يستعمل معه حرف الجر. وانظر إعراب النحاس ٣/ ٥٥٩. ومشكل مكي ٢/ ٤٣١ - ٤٣٢.
(٣) انظر هذا القول هكذا عن بعض المعتزلة في مشكل مكي الموضع السابق. والمحرر الوجيز ١٦/ ١٧٧ - ١٧٨. وحكى النحاس ٣/ ٥٥٩ معناه وخطّأه. وخرجه الطبري ٢٩/ ١٩٢ عن مجاهد كما حكاه الماوردي ٦/ ١٥٦ - ١٥٧ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - وعكرمة، لكنه تعقب لأن الرواية عنهما بإثبات الرؤية كما روى الطبري عنهما في الموضع السابق، وانظر القرطبي ١٩/ ١٠٨.
(٤) استفاض الإمام النحاس رحمه الله في إعرابه بالرد على منكري الرؤية في عدة صفحات ٣/ ٥٥٩ - ٥٦٦ حيث ساق الأدلة الصحيحة فيها.


الصفحة التالية
Icon