وقوله: ﴿تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾ (تظن) في محل الرفع على أنه خبر ﴿وُجُوهٌ﴾، أو خبر بعد خبر، أي باسرةٌ (١) ظانةٌ، والظن هنا على بابه، أي: تخال وتتوقع أن يفعل بها فِعْلٌ في شدته وفظاعته داهية، والفاقرة: اسم للداهية، سميت بذلك لأنها تقصم فقار الظهر، أي تكسره، لا بمعنى العلم واليقين كما زعم الجمهور، لوقوع (أنْ) الناصبة بعده، وأنْ الناصبة لا تقع بعد العلم وإنما تقع بعده أنَّ المشددة، وذلك أنَّ العلم من مواضع التقرير والتحقيق، والظن ونحوه من الرجاء والطمع من مواضع الشك وغير الثبات، وأنَّ المشددة تفيد التوكيد، والمخففة الناصبة لا تفيده، وإذا كان كذلك وجب أن تقرن المشددة بما كان تقريرًا، والمخففة الناصبة بما كان شكًّا، فيقال: علمت أَنَّكَ تقوم، وأظن أَنْ يخرج زيد، وأطمع أنْ تعطيني، ولو قلت: علمت أن يخرج زيد، وأظن أنّ زيدًا يخرج، كان قلبًا للعادة من حيث يُقْرَنُ ما هو عَلَمُ التوكيد بما لا تقرير فيه، وما هو عارٍ من التوكيد بما هو تقرير. فإن قيل: أرجو أنك تعطيني، فلأجل الدلالة على قوة الرجاء، وعلى هذا يقال: أخشى أنه يفعل، إذا حققت الخشية، فاعرفه فإنه من كلام المحققين من أصحابنا، وكفاك دليلًا: قوله جل ذكره: ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا﴾ (٢) و ﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى﴾ (٣) ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ (٤). فاعرفه فإنه موضع، وما علمت أن أحدًا ذكره وأوضحه فيما اطلعت عليه.
{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (٣٠) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (٣١) وَلَكِنْ
(٢) سورة طه، الآية: ٨٩.
(٣) سورة المزمل، الآية: ٢٠.
(٤) سورة الشعراء، الآية: ٨٢.