﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ ابتداء وخبر، والجملة في موضع نصب على الحال من المنوي في ﴿فَاسْتَوَى﴾ الراجع إلى جبريل عليه السلام أي: فاستوى جبريل وهو -أي جبريل- بالأفق الأعلى، أي: فاستوى عاليًا. وعن الفراء: استوى جبريل ومحمد عليهما الصلاة والسلام بالأفق الأعلى (١)، أي: فاستويا في القوة في الصعود، وهذا ضعيف عند أصحابنا، لأنه عطف على الضمير من غير تأكيد، ولعمري هذا وإن كان ضعيفًا من وجه، فهو قوي من وجه آخر، وقول الجمهور وإن كان قويًا من وجه فهو ضعيف من وجه آخر، وهو اقتصارهم في (استوى) على فاعل واحد، وهو يطلب فاعلين في الأمر العام، فاعرفه فإنه موضع (٢).
وقوله: ﴿ثُمَّ دَنَا﴾ أي قرب: ﴿فَتَدَلَّى﴾ أي: زاد في القرب، قاله أبو إسحاق (٣). وقيل: تدلى تَدَلَّل، أي: استعمل الدِّلال، فقلبت اللام الأخيرة ياء (٤).
﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ قاب: خبر (كان)، وألفه منقلبة عن واو، والقاب: المقدار، وكذلك القِيبُ، والقاد والقِيد (٥). و ﴿أَوْ﴾ على بابها، أي: لو رأى راءٍ لقال هو قدر قوس أو أدنى في القرب، أي: لالتبس عليه مقدار القرب.

(١) معاني الفراء ٣/ ٩٥. والمراد أن الضمير (هو) يعود على الرسول -صلى الله عليه وسلم- وليس لجبريل عليه السلام. وانظر معاني الزجاج ٥/ ٧٠. وجامع البيان ٢٧/ ٤٣. ومعالم التنزيل ٤/ ٢٤٥.
(٢) انظر المسألة في إعراب النحاس ٣/ ٢٦٢. ومشكل مكي ٢/ ٣٣٠.
(٣) معانيه ٥/ ٧٠.
(٤) انظر هذا القول في النكت والعيون ٥/ ٣٩٣.
(٥) من الصحاح (قوب).


الصفحة التالية
Icon