قوله عز وجل: ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ (أو) هنا على بابها، وهي كما علمت للتخيير أو للإباحة، وتفيد في الأمر معنىً خلاف ما تفيد في النهي، فإذا قلت: أعط زيدًا أو عمرًا، فمعناه: أعط أحدهما. وإذا قلت: لا تعط زيدًا أو عمرًا فمعناه لا تعط أحدهما، فيحرم عليه إعطاؤهما، لأن أحدهما يتعمم في النهي، ألا ترى أنك إذا قلت: لا تضرب زيدًا أو عمرًا، فالتقدير: لا تضرب أحدهما: فأيهما ضربه كان أحدهما، فكذا هنا لو قيل: لا تطع أحدهما، فأيهما أطاعه كان أحدهما، لما ذكرت آنفًا من أن أحدهما يتعمم في النهي كما يتعمم في النفي، لا بمعنى الواو كما زعم بعضهم (١)، لأن الواو يفيد الجمع، ألا ترى أنك إذا قلت: لا تعط زيدًا وعمرًا، فأعطى أحدهما لم يكن عاصيًا، لأنك أمرته أن لا يجمع بينهما في الفعل بخلاف أو، لأنك لو قلت: لا تعط زيدًا أو عمرًا، ف (أو) قد دلت على أن كل واحد منهما أهل أن يُعطَى ولا يُعطَى، فكذا في الآية لو قيل: ولا تطعهما، لجاز أن يطيع أحدهما، وكان النهي واقعًا على أحدهما لا عليهما، وإذا قيل: ولا تطع أحدهما كان مشتملًا عليهما، فاعرف الفرقان بينهما.
وعن الفراء: (أو) هنا بمنزلة (لا)، أي: ولا تطع من أثِمَ ولا من كَفَرَ (٢).
وعن ابن كيسان: حَمْلُ النهي على الأمر، يعني إذا قال: لا تضرب أحدهما لم. يحرم عليه ضربهما، قال: وإنما حَرُمَ في الآية طاعتهما لأن أحدهما بمنزلة الآخر في امتناع الطاعة، ألا ترى أن الآثم مثل الكفور في هذا المعنى.
قال صاحب الكتاب رحمه الله: ولو قال: ولا تطع آثمًا ولا تطع كفورًا

(١) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٢٠. وإعراب النحاس ٣/ ٥٨٣. ومشكل مكي ٢/ ٤٤٣. ونسب في البيان ٢/ ٤٨٥ للكوفيين.
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٢١٩. وعنه النحاس ٣/ ٥٨٤. ومكي ٢/ ٤٤٢ - ٤٤٣.


الصفحة التالية
Icon