وقوم لوط وشعيب ونحوهم ممن سبق قريشًا على ما فسر (١).
وقوله: ﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ﴾ الجمهور على رفع العين، على القطع مما قبله والاستئناف على وجه الإخبار عن المستقبل، على إضمار مبتدأ، أي: ثُم نحن نتبعهم الآخرين، تعضده قراءة من قرأ: (ثم سَنُتبعهم الآخرين) بزيادة التنفيس، وهو ابن مسعود رضي الله عنه (٢). قيل: والمراد الذين قتلوا ببدر بعد نزول الآية (٣)، وبين الأولين والآخرين مسافة بعيدة، فلهذا أجمع الجمهور على الرفع ولم يعطفوا، لأن العطف يوجب أن يكون المعنى أهلكنا الأولين ثم أتبعناهم الآخرين في الهلاك، وليس المعنى على ذلك.
وقرئ: (ثم نتبعْهم) بإسكانها (٤)، وفيه وجهان، أحدهما: تخفيف لأجل توالي الحركات، فهو مستأنف كقراءة الجمهور. والثاني: جزم بالعطف على قوله: ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ﴾، كقولك: ألم تزرْني ثُمَّ أُكْرِمْك، كما تقول: فأُكْرِمْك، على معنى أنه أهلك قومًا بعد قومٍ على اختلاف أوقات المرسلين إليهم، فأهلك أولًا قَومَ نوح وعادًا، وثمودَ، ثم أتبعهم مَنْ بعدَهم كقوم شعيب ولوط ونحوهم، ثم وقع الاستئناف في قوله: ﴿كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾، يعني مَن يهلك فيما بعد.
وقد جوز أن يُعنَى بالمجرمين مَن مضى منهم ومَن يأتي فيما بعد، فقوله: ﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ﴾ على قراءة الجمهور مستقبَل في اللفظ والمعنى، وعلى

(١) انظر جامع البيان ٢٩/ ٢٣٥.
(٢) انظر قراءته في معاني الفراء ٣/ ٢٢٣. والكشاف ٤/ ١٧. والمحرر الوجيز ١٦/ ٢٠٠. وزاد المسير ٨/ ٤٤٧. والقرطبي ١٩/ ١٥٩. والبحر ٨/ ٤٠٥. وجاءت القراءة في معاني الفراء، والمحرر، والزاد بالواو بدل (ثم) والله أعلم.
(٣) يعني من كفار مكة. انظر معالم التنزيل ٤/ ٤٣٣. وهو قول مقاتل كما في زاد المسير ٨/ ٤٤٨.
(٤) قرأها الأعرج، وأبو حيوة، ورواية عن أبي عمرو. انظر إعراب النحاس ٣/ ٥٩٣. والمحتسب ٢/ ٣٤٦. والمحرر الوجيز ١٦/ ٢٠٠. وزاد المسير ٨/ ٤٤٧. والقرطبي ١٩/ ١٥٩.


الصفحة التالية
Icon