و (عن) الأولى متعلقة بـ ﴿يَتَسَاءَلُونَ﴾، والضمير في ﴿يَتَسَاءَلُونَ﴾ لقريش (١)، والمعنى: عن أي شيء يتساءلون؟ وأما الثانية: فمتعلقة بمضمر يدل عليه هذا الظاهر، والتقدير: يتساءلون عن النبأ، ثم حذف الثاني لدلالة الأول عليه، ولا يحسن أن يكون بدلًا من الأول متعلقًا بهذا الظاهر كما زعم بعضهم (٢) لا بل لا يجوز، لأنه لو كان كما زعم لوجب دخول حرف الاستفهام عليه، فيكون: أعن النبأ العظيم؟ ألا ترى أنك إذا قلت: بكم ثوبُك، أبعشرينَ أم بثلاثينَ؟ لا بد لك من إعادة حرف الاستفهام، ولو قلت: بعشرين من غير الهمزة لم يجز، فاعرفه فإنه موضع.
وإذا كان كذلك وجب أن يكون من صلة فعل آخر دل عليه هذا الظاهر، لا من صلة هذا الظاهر على جهة البدل، فـ (عن) الأول متصل بالاستخبار، والثاني متصل بالإخبار، اللهم إلا أن يقول هذا الزاعم: إن الأصل أعن النبأ، إلا أنه استُغني عن تكرير الاستفهام بتقدم ما قبله، بشهادة قوله: ﴿أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ (٣)، والمعنى: أفهم الخلدون؟ فاكتُفي بالاستفهام الأول عن الثاني فيكون بدلًا من الأول، والأول هو الوجه وعليه الجل، إذ الحذف من غير اضطرار على خلاف الأصل.
وقوله: ﴿الَّذِي﴾ يجوز في إعرابه الأوجه الثلاثة: أما الرفع فعلى: هو، وأما النصب: أعني، وأما الجر: فعلى النعت.
وقوله: ﴿كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ﴾ الجمهور على الياء فيهما النقط من تحته، وهو الوجه لجري ذكر الغيبة قبلُ، وقرئ: بالتاء فيهما النقط من
(٢) هو العكبري ٢/ ١٢٦٦. وقد رده أيضًا صاحب البيان ٢/ ٤٨٩.
(٣) سورة الأنبياء، الآية: ٣٤.